وما ذكره قدس سره متين جدا في مثل المقام مما انحصر دليل الاثبات بالأدلة القطعية، لما هو المعلوم من لزوم انتهاء أدلة التعبد بغير العلم إلى القطع، فإن الأدلة المذكورة توجب القطع بالامكان بالمعنى المذكور.
وأما ما ذكره سيدنا الأعظم قدس سره من الاشكال فيه..
تارة: بأن النزاع في الامكان في رتبة سابقة على النزاع في الوقوع.
وأخرى: بأن النزاع المذكور من قبيل النزاع في أمر عقلي، فلا يصح الاستدلال عليه بدليل الوقوع، الذي هو من سنخ الدليل السمعي.
وثالثة: بأن عدم الأثر للنزاع في الامكان مع قطع النظر عن أدلة الوقوع لا يمنع من صحة النزاع، ويكون النزاع حينئذ علميا محضا، لا عمليا، كما هو الحال في كثير من نزاعاتهم.
فهو كما ترى! لاندفاع الأول: بأن سبق النزاع في الامكان رتبة لا ينافي الاستدلال عليه بدليل الوقوع.
والثاني بأنه لا مانع من إثبات الامر العقلي بالدليل السمعي إذا كان موجبا لليقين به، بل هو أولى من الأدلة العقلية، لرجوعه إلى مقدمات حسية بديهية لا مجال لردها بالبراهين العقلية التي قد يستدل بها على الامتناع، بل تكون شبهة في مقابل البديهة، ولعله لذا أمر قدس سره في هذا الوجه بالتأمل.
نعم، لو لم تكن أدلة الوقوع قطعية، بل قابلة للرد أو التأويل كان النزاع في الامكان مهما، إذ معه لا حاجة للتأويل، وبدونه يحتاج له. لكنه لا مجال له في المقام.
والثالث: بأن النزاعات العملية المحضة إنما تحسن مع توقع الأثر العملي لها ولو على بعض مباني المسألة، لا مع عدم الأثر مطلقا كما في المقام.
والحاصل: أن ما ذكره في الكفاية متين جدا. لكنه راجع إلى عدم الأثر للنزاع في الامكان، بل يلزم النظر في أدلة الوقوع ابتداء.