عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة. وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان).
والأولى أن يقال: إنه يكفي في ترتب الغرض الذي أشرنا إليه - وهو النظر في أدلة الجعل - ونحوه من اللوازم المذكورة للامكان عدم قيام الدليل على امتناع الجعل، فلا يجوز بنظر العقل إهمال الأدلة الدالة على ثبوت الشئ، بمجرد احتمال امتناعه ولزوم محذور منه مغفول عنه، بل هو من سنخ احتمال المزاحم لا يعتني به العقل ما لم يثبت بالدليل.
ومنه يظهر الاشكال في ما ذكره شيخنا الأعظم قدس سره من دعوى حكم العقلاء بالامكان الوقوعي بمجرد عدم الدليل على الامتناع، فإنه إذا كان يكفي بنظر العقل في ترتيب الآثار عدم الدليل على الامتناع لم يحتج إلى إحراز الامكان ولم يتعلق به غرض للعقلاء حتى يمكن دعوى حكمهم به بالوجه المذكور.
والحاصل: أن الامكان الوقوعي لا طريق لاثباته، كما لا حاجة له، بل يكفي عدم الدليل على الامتناع الذي هو عبارة عن الامكان القياسي.
ومن ثم ذكر سيدنا الأعظم قدس سره أن النزاع في المقام إنما هو فيه لا في الامكان الوقوعي.
وإن كان يشكل بأنه خلاف ظاهر كلامهم، لان الامكان بالمعنى المذكور لا يحتاج إلى الاثبات، بل يكفي فيه إبطال دليل المانع، مع أن ظاهر ما نقله شيخنا الأعظم قدس سره عن المشهور أنهم بصدد إثباته، وهو ظاهر في إرادة الامكان الوقوعي، الذي عرفت أن ما ذكره المشهور وشيخنا الأعظم قدس سره لا ينهض بإثباته.
نعم، ذكر في الكفاية أن أدلة وقوع التعبد بالطرق شرعا كافية في إثبات الامكان الوقوعي، لملازمة فعلية الشئ لامكانه بالمعنى المذكور، ومع قطع النظر عن أدلة وقوع التعبد لا أثر للنزاع في الامكان حتى يحتاج إلى إثبات بطريق آخر.