يعبرون عن الارتباط بين الحكم التكليفي وموضوعه بالشرط فيقولون الزوال شرط لوجوب الصلاة، ويعبرون عن الارتباط بين الحكم الوضعي وموضوعه بالسبب فيقولون الغسل سبب للطهارة، مع أنه لا توجد سببية وعلية واقعية بين الحكم وموضوعه بل الموجود هو الارتباط الجعلي لا الواقعي، وهذا عامل يؤثر في فهم الفكر الأصولي واستيعابه لبقاء رواسب الفكر الفلسفي في نفس هذه المصطلحات مما يؤدي لاختلاط الأفكار كما سيأتي البرهنة عليه.
العامل الثالث: ترجمة الفلسفة: حينما دخل علم الفلسفة أوساط المجتمع العربي احتاج علماء العرب لترجمة الأفكار الفلسفية وانتخاب ألفاظ عربية للتعبير عنها، سواءا على مستوى المركبات أم على مستوى المفردات، فمثلا بالنسبة للمركبات نرى أن الجملة الاسنادية نحو زيد قائم يختلف تصورها في الارتكاز العربي عن تصورها في الارتكاز الفارسي أو اليوناني، فالجملة في العرف العربي تعبر عن هو هوية واتحاد بين وجودين، وجود زيد ووجود القيام من دون أن تشم رائحة الغيرية والاثنينية بينهما، بينما مفهوم هذه الجملة في العرف الفارسي واليوناني يعني ثبوت شئ لشئ آخر فهو يحافظ على الغيرية والاثنينية بين الطرفين، ولذلك يحتاج لوجود الرابط بينهما كلفظ - است - في الفارسية و - أستين - في اليونانية، وحيث إن الفكر المنطقي بدأ على يد اليونانيين لذلك أصبح التصور المنطقي للقضية وهي الجملة الخبرية موافقا للعرف اليوناني، وحينما ترجم علم المنطق إلى العربية ترجم هذا التصور أيضا لكن لما لم يوجد في اللغة العربية ثلاثة أطراف - موضوع ومحمول ورابط - لان العرف العربي لا يرى القضية بمعنى ثبوت شئ لشئ بل بمعنى اتحاد الوجودين فلا تحتاج لوجود رابط بحسب ارتكازه، استعار العلماء لفظ - هو - للتعبير عن الرابط محافظة على التصور المنطقي المتأثر بالعرف اليوناني، فقالوا:
القضية ثلاثية الأطراف نحو زيد هو قائم.