وهو يرسله إليها، هي نفس الصورة التي يدل عليها فعل الامر، ولهذا يقال في علم الأصول إن مدلول صيغة الامر هو النسبة الارسالية.
وكما أن الصياد حين يرسل الكلب إلى فريسته قد يكون إرساله هذا ناتجا عن شوق شديد إلى الحصول على تلك الفريسة ورغبة أكيدة في ذلك وقد يكون ناتجا عن رغبة غير أكيدة وشوق غير شديد، كذلك النسبة الارسالية التي تدل عليها الصيغة في فعل الامر قد نتصورها ناتجة عن شوق شديد وإلزام أكيد وقد نتصورها ناتجة عن شوق أضعف ورغبة أقل درجة. وعلى هذا الضوء نستطيع الآن أن نفهم معنى ذلك القول الأصولي القائل: إن صيغة فعل الامر تدل على الوجوب، فإن معناه أن الصيغة قد وضعت للنسبة الارسالية بوصفها ناتجة عن شوق شديد وإلزام أكيد، ولهذا يدخل معنى الالزام والوجوب ضمن الصورة التي نتصور بها المعنى اللغوي للصيغة عند سماعها دون أن يصبح فعل الامر مرادفا لكلمة الوجوب. وليس معنى دخول الالزام والوجوب في معنى الصيغة أن صيغة الامر لا يجوز استعمالها في مجال المستحبات، بل قد استعملت كثيرا في موارد الاستحباب كما استعملت في موارد الوجوب، ولكن استعمالهما في موارد الوجوب استعمال حقيقي، لأنه استعمال للصيغة في المعنى الذي وضعت له، واستعمالها في موارد الاستحباب استعمال مجازي يبرره الشبه القائم بين الاستحباب والوجوب.
والدليل على أن صيغة الامر موضوعة للوجوب بالمعنى الذي قلنا هو التبادر فإن المنسبق إلى ذهن العرف ذلك بشهادة أن الآمر العرفي إذا أمر المكلف بصيغة الامر ولم يأت المكلف بالمأمور به معتذرا بأني لم أكن أعرف أن هذا واجب أو مستحب لا يقبل منه العذر ويلام على تخلفه عن الامتثال وليس ذلك إلا لانسباق الوجوب عرفا من اللفظ وتبادره والتبادر علامة الحقيقة.