وبديهي أن حجية القطع بهذا المعنى الذي شرحناه لا يمكن ان تستغني عنه أي عملية من عمليات استنباط الحكم الشرعي، لان الفقيه يخرج من عملية الاستنباط دائما بنتيجة، وهي العلم بالموقف العملي تجاه الشريعة وتحديده على أساس الدليل أو على أساس الأصل العملي، ولكي تكون هذه النتيجة ذات أثر لا بد من الاعتراف مسبقا بحجية القطع، إذ لو لم يكن القطع حجة ولم يكن صالحا للاحتجاج به من المولى على عبده ومن العبد على مولاه لكانت النتيجة التي خرج بها الفقيه من عملية الاستنباط لغوا، لان عمله ليس حجة، ففي كل عملية استنباط لا بد إذن أن يدخل عنصر حجية القطع لكي تعطي العملية ثمارها ويخرج منها الفقيه بنتيجة إيجابية.
وبهذا أصبحت حجية القطع أعم العناصر الأصولية المشتركة وأوسعها نطاقا.
وليست حجية القطع عنصرا مشتركا في عمليات استنباط الفقيه للحكم الشرعي فحسب، بل هي في الواقع شرط أساسي في دراسة الأصولي للعناصر المشتركة نفسها أيضا، فنحن حينما ندرس مثلا مسألة حجية الخبر أو حجية الظهور العرفي إنما نحاول بذلك تحصيل العلم بواقع الحال في تلك المسألة، فإذا لم يكن العلم والقطع حجة فأي جدوى في دراسة حجية الخبر والظهور العرفي.
فالفقيه والأصولي يستهدفان معا من بحوثهما تحصيل العلم بالنتيجة الفقهية " تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة " أو الأصولية " العنصر المشترك "، فبدون الاعتراف المسبق بحجية العلم والقطع تصبح بحوثهما عبثا لا طائل تحته، وحجية القطع ثابتة بحكم العقل، فإن العقل يحكم بان للمولى سبحانه حق الطاعة على الانسان في كل ما يعمله من تكاليف المولى وأوامره ونواهيه فإذا علم الانسان بحكم إلزامي من المولى " وجوب أو حرمة " دخل ذلك الحكم الالزامي ضمن نطاق حق الطاعة، وأصبح من حق المولى على الانسان ان