العملية كما يأتي ان شاء الله تعالى، وإن لم يتوفر دليل محرز أخذ بالأصل العملي فهو المرجع العام للفقيه حيث لا يوجد دليل محرز.
ويوجد عنصر مشترك يدخل في جميع عمليات استنباط الحكم الشرعي، سواء ما استند فيه الفقيه إلى دليل من القسم الأول أو إلى دليل من القسم الثاني، وهذا العنصر هو حجية القطع، ونريد بالقطع انكشاف قضية بدرجة لا يشوبها شك، ومعنى حجيته كونه منجزا أي مصححا للعقاب إذا خالف العبد مولاه في تكليف مقطوع به لديه، وكونه معذرا أي نافيا لاستحقاق العقاب عن العبد إذا خالف مولاه نتيجة عمله بقطعه.
وواضح أن حجية القطع بهذا المعنى لا تستغني عنه جميع عمليات الاستنباط، لأنها إنما تؤدي إلى القطع بالحكم الشرعي أو بالموقف العملي تجاهه، ولكي تكون هذه النتيجة ذات أثر، لا بد من الاعتراف مسبقا بحجية القطع، بل أن حجية القطع مما يحتاجها الأصولي في الاستدلال على القواعد الأصولية نفسها، لأنه مهما استدل على ظهور صيغة أفعل في الوجوب مثلا فلن يحصل على أحسن تقدير إلا على القطع بظهورها في ذلك، وهذا لا يفيد إلا مع إفتراض حجية القطع.
كما إنه بعد إفتراض تحديد الأدلة العامة، والعناصر المشتركة في عملية الاستنباط، قد يواجه الفقيه حالات التعارض بينها، سواء كان التعارض بين دليل من القسم الأول، ودليل من القسم الثاني كالتعارض بين الامارة والأصل، أو بين دليلين من قسم واحد سواء كانا من نوع واحد كخبرين لثقتين، أو من نوعين كالتعارض بين خبر الثقة وظهور الآية، أو بين أصالة الحل والاستصحاب.
ومن أجل ذلك سنبدأ فيما يلي بحجية القطع، ثم نتكلم عن القسم الأول من الأدلة. ثم عن القسم الثاني (الأصول العملية) ونختم بأحكام تعارض الأدلة إن شاء الله تعالى ومنه نستمد التوفيق.