وإن أريد به كونه مزيلا له في الظاهر بيانا لانتهاء الحكم بحسب الواقع فيتبين بملاحظة الناسخ أن ما حكم به كان معينا في الواقع بالغاية المفروضة غير متجاوز عن تلك النهاية، وإن أبرز الحكم أولا في صورة الدوام لبعض المصالح، فهو كالتخصيص بالمنفصل الوارد على العموم، حيث إن ظاهر اللفظ عموم الحكم فيتبين بملاحظة المخصص كون ذلك الظاهر غير مراد وأن المراد بالعام بحسب الحقيقة هو الباقي، فيكون النسخ إذن قرينة منفصلة دالة على أن المراد بما دل على استمرار المنسوخ خلاف ظاهره مبينة لما هو المقصود منه، كما أن التخصيص كذلك، ولذا قيل: إن النسخ نحو من التخصيص، فإنه تخصيص في الأزمان كما أن التخصيص المعروف تخصيص في الأعيان.
ففيه: أن الظاهر أن ذلك غير قابل للإنكار، وليس مما يقع فيه الخلاف، فيعود النزاع إذن لفظيا، إلا أن ذلك خلاف الظاهر من كلام القائل بكونه رافعا في مقابلة من يقول بكونه بيانا، وحينئذ يكون الرفع المذكور في الحد مجازا لا يناسب استعماله في الحدود.
قلت: ويمكن رفع ذلك باختيار كون المراد هو الرفع بحسب الواقع، والمقصود أنه قد وقع أولا تشريع الحكم على وجه الدوام مع اختصاص المصلحة المرجحة لذلك ببعض الوقت، ثم رفع ذلك الحكم عند انتهاء ما يقتضيه المصلحة المفروضة، فهو رفع للمدلول لا رفع للدلالة، ليكون تصرفا في اللفظ الدال على الحكم، وقرينة على كون المراد به خلاف ظاهره على ما هو الحال في المخصص، والقرائن الدالة على التجوز في اللفظ وتشريع الحكم على وجه الدوام مع اختصاص المصلحة ببعض الوقت مما لا مانع منه إذا كان هناك مصلحة قاضية بتشريعه كذلك ثم نسخه بعد ذلك، وهذا مبني على القول بكون الطلب المراد من الأمر هو إنشاء اقتضاء الفعل، سواء وافق الإرادة القلبية من الأمر لوقوع الفعل أو لا، نظرا إلى اختيار مغايرة الطلب للإرادة بالمعنى المذكور، كما هو المختار حسب ما مر تفصيل القول فيه، فإنه حينئذ يصح إنشاء طلب الفعل واقتضاؤه من المكلف وإن لم يكن له مصلحة فيه إذا كان هناك مصلحة في الاقتضاء المذكور.