ولا فرق بينه وبين ما فيه مصلحة للمكلف بالنسبة إلى حصول التكليف في الاقتضاء، فغاية الأمر أنه يرفع ذلك التكليف وينسخه عند زوال المصلحة، وهذا بخلاف ما إذا قيل بكون الطلب عين إرادة الفعل على الوجه المفروض، أو بعدم حصول حقيقة الطلب من دونه، فلا يتصور إذن حصول حقيقة الطلب على وجه الدوام مع عدم إرادته وقوع الفعل في الزمان اللاحق وعلمه بنسخ ذلك الفعل، فليس الطلب المتعلق بالفعل بالنسبة إلى ذلك الزمان إلا صوريا خارجا عن حقيقة الطلب على القول المذكور، فلا يتحقق هناك تكليف بحسب الواقع إلا بالنسبة إلى ما قبل ورود الناسخ دون ما بعده، وإن أبرز الجميع أولا بصورة واحدة، فيكون النسخ إذن كاشفا عن ذلك مبينا لحقيقة الحال.
فمع البناء على الوجه المذكور كما هو ظاهر المعروف عن الأصحاب لا يمكن أن يكون النسخ رافعا للحكم إلا بالنظر إلى الظاهر من دون أن يكون هناك رفع لحكم ثابت بحسب الواقع لولا حصول الرفع المفروض، فهو في الحقيقة قرينة مبينة للمقصود قاضية بالخروج عن ظاهر اللفظ بخلاف البناء على الوجه الأول الذي اخترناه، فإنه يجوز أن يكون رفعا إذا حصل التكليف على الوجه الذي قررناه، وأن يكون بيانا لما هو الواقع رفعا بالنسبة إلى ما أفاده الظاهر قبل ظهور الناسخ إذا وقع التكليف على الوجه الثاني، فعلى المختار يجوز وقوع التكليف على كل من الوجهين المذكورين ويتفرع على كل حكمه من حصول النسخ بالبيان أو الرفع، ويكون إذن تعيين كل من الوجهين بملاحظة الدليل الدال على ذلك نصا أو ظاهرا، هذا كله بالنسبة إلى أوامر الشرع كما هو محل الكلام. وأما بالنظر إلى غيره فلا إشكال في صحة وقوع النسخ على كل من الوجهين مطلقا هذا ما يقتضيه التدبر في المقام.
وقد احتج القائل بكونه بيانا لا رفعا بوجوه موهونة لا بأس بالإشارة إليها:
أحدها: أن المرفوع إما الحكم الموجود أو غيره، ولا سبيل إلى شئ منهما.
أما الأول فللزوم سلب الشئ عن نفسه نظرا إلى رفع الوجود عنه حين كونه موجودا.