خصوص العارضين المفروضين وهما متغايران وجودا ومتغايران لمعروضهما كذلك حسب ما مرت الإشارة إليه في تقرير دليل الخصم، لكنك قد عرفت ما يرد على الوجهين المذكورين بما لا مزيد عليه. هذا.
الوجه الثالث للقائل بجواز الاجتماع ما أشار إليه بعض المتأخرين تقريره:
أنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي التحريمي لما جاز اجتماعه مع النهي التنزيهي، إذ المسألتان من قبيل واحد فإن جاز الثاني جاز الأول وإن امتنع الأول امتنع الثاني، إذ لا مانع هناك سوى لزوم اجتماع الضدين، والأحكام بأسرها متضادة لا يمكن الاجتماع بينهما على سبيل الحقيقة، فإن كان المفروض في المقام من قبيل اجتماع المتضادين لم يجز في المقامين وإلا جاز فيهما، لكن جواز الاجتماع في الثاني معلوم كما هو ظاهر من ملاحظة العبادات المكروهة الواردة في الشريعة - كالصلاة في الحمامات وفي معاطن الإبل وفي الأوقات المكروهة والصيام المكروه ونحوها - وهذه النواهي وإن لم تكن نظير ما هو المبحوث عنه في المقام، إذ الكلام هنا فيما إذا كان المنهي عنه بالنهي التحريمي أعم من وجه من المأمور به، والمنهي عنه هنا أخص مطلقا منه، إلا أنه يثبت المدعى بطريق أولى، إذ مع القول بالجواز في العموم والخصوص المطلقين لا مناص من القول بجوازه في العموم من وجه أيضا.
قلت: ويمكن التنظير بما هو من قبيل المقام أيضا، وذلك كالصلاة في دار الظالم مع ظن غصبيته والوضوء والغسل من ماء وهبه له ظالم مع ظن الغصبية ونحو ذلك، فإن يد المسلم وإن كان طريقا شرعيا لجواز التصرف إلا أن التصرف فيه مرجوح لما ذكر، فيجتمع حينئذ مرجوحية التصرف فيما ذكر مع وجوب التصرف الخاص.
والجواب: أما عما ذكرناه - من جواز اجتماع الكراهة والوجوب فيما هو من قبيل محل النزاع - فبأن أقصى ما يقتضيه ذلك مرجوحية تلك التصرفات بالنظر إلى ذواتها وهي لا ينافي رجحانها من جهة أخرى نظرا إلى وقوعها جزءا من العبادة الواجبة وحينئذ يقع المعارضة بين الجهتين.