ولنورد الكلام في تلك الأقسام في فصول:
الفصل الأول (1): في بيان استقلال العقل بادراك حكم الفعل بحسب الواقع وأنه من الأدلة على حكم الشرع مع قطع النظر عن توقيفه وبيانه له على لسان حججه، وهو الذي ذهب إليه علماؤنا الإمامية، بل وأطبقت عليه العدلية، بل قال به أكثر العقلاء من الحكماء والبراهمة والملاحدة وكثير من الفرق المثبتة للشرائع والنافية.
وقد أنكر ذلك الأشاعرة وطائفة من متأخري علمائنا الأخبارية في الجملة وبعض من يحذو حذوهم إلا أن الأشاعرة قد أنكروا ثبوت المحكوم به رأسا فلزمهم إنكار إدراك العقل له وكونه دليلا على حكم الشرع، فليس عندهم بحسب الواقع ما يتعلق به إدراك العقل، إذ لا حسن ولا قبح عندهم للأفعال مع قطع النظر عن حكم الشرع فلا حكم للعقل في التحسين والتقبيح أصلا، ولا حسن ولا قبح عندهم مع قطع النظر عن حكم الشرع، بل كل الأفعال عندهم ساذجة قابلة لكل من الأمرين بواسطة أمر الشارع ونهيه، فهي في نفسها مع قطع النظر عن تعلق الأمر والنهي بها خالية عن الصفتين فاقدة للأمرين.
وأما الجماعة المذكورة فلا يظهر منهم إنكار الحسن والقبح الواقعيين على ما يقوله الأشاعرة، بل الظاهر منهم اعترافهم به كما هو مذهب العدلية، ودلت عليه النصوص المستفيضة، بل المتواترة في الجملة، وإنما ينكر جماعة منهم صحة إدراك العقل في غير ضروريات الدين والمذهب، وبغضهم ينكر المطابقة بين حكم العقل وما حكم به الشرع، وإن كان العقل مطابقا لما هو الواقع فلا يعد الحكم شرعيا ويحكم بوجوب الأخذ به ما لم يرد الحكم به من الشرع حسب ما يأتي تفصيل القول في نقل أقوالهم وأدلتهم إن شاء الله.
وتوضيح المقام: أن الكلام في المرام يقع في مقامات:
أحدها: أنه هل يثبت للأشياء مع قطع النظر عن حكم الشرع وتعلق خطابه بها