قوله: * (فذهب الأكثرون إلى أنه هو الكف) *.
وقد اختار ذلك الحاجبي والعضدي، وكأنه المراد بما عزى إلى الأشاعرة من كون المطلوب فعل ضد المنهي عنه. ثم قد يتخيل أن المراد بالكف هو زجر النفس عن فعل الشئ عند حصول الشوق إليه وقيام الداعي إلى فعله، بملاحظة ما يقاوم ذلك أو يغلب عليه فيمنع من حصول مقتضاه، وحينئذ فهو أخص مطلقا بحسب الوجود من الترك الذي هو عدم الإتيان بالفعل، فإن الكف بالمعنى المذكور يستلزم الترك بخلاف الترك، فإنه لا يستلزم حصول الكف، إذ قد لا يكون له شوق إلى الفعل من أول الأمر، فلا يصدق معه اسم الكف مع حصول الترك، فعلى القول المذكور يكون المطلوب بالنهي خصوص ذلك، فلو لم يكن للمكلف شوق إلى الفعل ولم يقم له داع إليه لم يكن الترك الحاصل منه مطلوبا للناهي عند القائل المذكور ولا يتعلق النهي به، والظاهر أنه يقول حينئذ بسقوط النهي تنجيزا وإن تعلق به معلقا على حصول الشوق، فعلى هذا يكون النواهي المتعلقة بالمكلفين مشروطة بشوقهم إلى الفعل ورغبتهم فيه لا مطلقا، إذ لا مجال للقول بوجوب الكف على الوجه المذكور مطلقا حتى يجب عليه تحصيل الشوق إلى الفعل ليتصور منه حصول ما وجب من الكف، ويمكن توجيه القول بسقوط التكليف مع انتفاء الشوق إلى الفعل وعدم الداعي إليه بأنه لما كان مقصود الشارع من تحريم الفعل عدم حصوله في حيز الوجود كان ميل المكلف عن الفعل، وعدم شوقه إليه مغنيا عن التكليف بتركه، للاكتفاء به في الصرف عن الفعل، والمنع عن إدخاله في الوجود، فلا حاجة إلى تكليفه به، وإنما الحاجة إلى التكليف المفروض فيما إذا كان مائلا إلى الفعل راغبا فيه ليتعلق التكليف إذا بالكف. ويرد عليه أن فيه خروجا عن ظاهر الإطلاق من غير جهة باعثة عليه، وما ذكر من الوجه يتم مع إمكان ورود التكليف على الوجه المذكور لا وقوعه، كيف ولم يعتبره الشارع في جانب الأمر، إذ لم يقل أحد بعدم شمول الأوامر لمن يريد المأمور به ويرغب إليه ويأتي به، مع قطع النظر عن أمر الشارع به، وحينئذ فالتزام القائل المذكور بذلك في