وضعف الوجهين ظاهر، أما الأول: فلظهور أنه مع عدم دلالة الأمر على التكرار لا يشمل الحكم المذكور ما بعد الفعل، ويسقط بالإتيان به، فلا أمر حتى يرتفع بالنهي المتأخر، إذ لا يعقل ارتفاع غير الثابت.
وأما الثاني: فالحال فيه أوضح ضرورة ارتفاع الحكم بمضي وقته، فلا يكون النهي المتأخر ناسخا.
نعم لو قيل ببقاء التكليف بعد فوات الوقت - على ما ذهب إليه شاذ - صح القول بارتفاعه، إلا أنه حينئذ لا يخرج بالقيد المذكور.
ثم إن أخذ الرفع جنسا في الحد المذكور مبني على كون النسخ رفعا للحكم كما هو المختار عند جماعة وحكي القول به عن القاضي أبي بكر، والمختار عند بعضهم عدم كونه رفعا، وإنما هو بيان لانتهاء هذا الحكم، والحكم إنما ينتهي بنفسه، وحكي القول به عن الأستاذ أبي إسحاق، وأسنده في المستصفى إلى الفقهاء.
فإطلاق الرفع عليه - حينئذ - على سبيل المجاز.
ويدل على الأول: أن الظاهر من لفظ النسخ الإزالة فلا بد من حمله على ظاهره، وكذا الظاهر من الحكم الأول الدوام والاستمرار، فيكون الحكم بخلافه مزيلا له رافعا لمقتضاه، إلا أن يقوم دليل على خلاف ذلك.
ويمكن الإيراد في المقام: بأنه إن أريد كونه مزيلا له بحسب الواقع بأن يكون الحكم ثابتا في الواقع أولا على وجه الدوام، ثم يرفعه طريان الناسخ فهو مما لا وجه له، لأنه إما أن يكون حكم الشارع به على وجه الدوام على وفق المصلحة المقتضية لذلك فلا يمكن إذن رفع ذلك الحكم بخلافه، وإن لم يقتض المصلحة ذلك على الوجه المذكور لم يمكن تشريعه على وجه الدوام بحسب الواقع وإن لم يكن مانع من إبرازه على صورة الدوام لبعض المصالح.
نعم يمكن في حق غيره تعالى ممن يتصور في شأنه الجهل بالواقع أن يرى المصلحة في الحكم به في وجه الدوام، ثم يتبين له بعد ذلك خلافه فيزيل ذلك الحكم، وهو محال في شأنه تعالى.