وتفصيل الكلام: أن ما تعلق التكليف به قد لا يتعين عند المجتهد، فيكون دائرا بين أمرين أو أمور عديدة يتعذر عليه تعيينه بعد بذل وسعه، وقد يتعين المكلف به عنده إلا أنه يتعذر عليه تفسيره وتعيين حقيقته، وعلى كل منهما فإما أن يندرج أحد الوجهين أو الوجوه في الباقي أو لا؟ ثم مع تكثر الوجوه إما أن ينحصر الاحتمالات بحيث يمكن اليقين بالامتثال بالجميع أو لا؟
وتوضيح الحال فيها: أنه إذا دار التكليف بين أمرين غير متداخلين أو أمور مختلفة كذلك مع إمكان الإتيان بالجميع قضى ذلك بلزوم الإتيان بها أجمع، لاقتضاء اليقين بالشغل اليقين بالفراغ، ولا يحصل بدون التكرار والإتيان بجميع المحتملات، واحتمال سقوط التكليف بمجرد ذلك مع كونه خلاف الأصل مما لا وجه له، لإمكان تفريغ الذمة بما قلناه، ومع القول ببقاء التكليف لا وجه للترجيح مع انتفاء المرجح، ولا التخيير، فيتعين طريق الجمع المحصل لليقين بالفراغ. وكذا الحال إذا تعين المتعلق لكن طرءه الاجمال ودار بين الأمرين أو أمور لذلك (1) وإذا لم يتمكن من تحصيل اليقين بالفراغ لعدم انحصار الوجوه المحتملة فيما تعلق به التكليف فالظاهر سقوط التكليف به، لعدم إمكان الإتيان بالجميع، والاقتصار على البعض غير مفيد، فهو بمنزلة الجهل بأصل التكليف، إذ لا فائدة في معرفته كذلك، لانتفاء طريق للمكلف إلى معرفة الواجب، فالتكليف به من قبيل التكليف بغير المقدور، والإتيان بما يحتمل كونه الواجب لا يوجب تفريغ الذمة عنه، فأصالة البراءة هنا قاضية بسقوط التكليف عنه وإن علم بحصوله في الجملة. وكذا الحال في التكليف بالمجمل إذا دار بين أمور كثيرة حسب ما ذكرنا.
وأما إذا دار التكليف أو التفسير بين أمرين أو أمور متداخلة فهل يؤخذ بالأقل وينفى الباقي بالأصل، أو لا بد من الإتيان بسائر ما يحتمل جزئيته أو شرطيته إن لم يكن هناك احتمال المانعية، وإلا كرر العمل مع امكان تحصيل العلم به وجهان.