الوضع، لأنه أمر توقيفي لا بد في ثبوته من الرجوع إلى توقيف الواضع لا إلى مجرد الأصول المذكورة.
غاية الأمر أن يرجع إليها في تعيين المراد ويقال: إن المقصود أنهما وإن كانا على خلاف الأصل لكنهما واقعان في الكلام فلا مانع من الالتزام به بعد قيام الدليل عليه، لما مر من بيان ما يفيد دلالته على الدوام. هذا. وقد يذكر للقول المذكور حجج موهونة أخرى لا بأس بالإشارة إلى جملة منها:
منها: أنه لو كان موضوعا للدوام لكان قولنا: " لا تضرب زيدا غدا " غلطا، والتالي واضح الفساد، أما الملازمة فلانحصار استعمال الصحيح في الحقيقة والمجاز، والأول منفي قطعا وكذا الثاني، إذ لا علاقة بينه وبين الدوام، ولذا لا يجوز أن يطلق لفظ الدوام ويراد به خصوص الغد - مثلا - ويوهنه أنه لو تم ذلك فإنما يتم لو كان الدوام تمام مفاد الصيغة، وأما إذا كان بعض مفاده كما هو واضح فأقصى الأمر اسقاط قيد الدوام، واستعماله في الباقي فيكون من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء، ولا يتصور إذن مانع من صحة الاستعمال.
ومنها: أنه لو كان للدوام لكان مفاد قوله: " لا تفعل " لا تفعل في شئ من الأوقات، فإذا قلت: " لا تفعل غدا " صار من قبيل تخصيص العام بأكثر من النصف وهو غير جائز. وضعفه ظاهر مما عرفت، إذ أقصى الأمر حينئذ اسقاط قيد الدوام فلا يكون من تخصيص العام في شئ.
ومنها: أن " لا تفعل " مركب من حرف وفعل وشئ منهما لا يفيد العموم انفرادا قطعا، والأصل عدم دلالة الهيئة التركيبية زيادة على ما هو من مقتضيات التركيب ولوازمه عقلا، ومن الظاهر أن الدوام ليس منها.
وفيه: بعد الغض عن عدم جريان الأصل في مداليل الألفاظ أن أقصى ما يفيده ذلك عدم وضع الهيئة لإفادة الدوام، وأما عدم كون الدوام مدلولا التزاميا له مع الإطلاق حسب ما بيناه فلا، ويجري ذلك في دفع الوجهين الأولين أيضا.
قوله: * (لما أثبتنا كون النهي للدوام... الخ) * إذا قلنا بكون النهي موضوعا