قوله: * (في العموم والخصوص) *.
لما كان العموم والخصوص من عوارض الأدلة وكان متعلقا بمباحث الألفاظ كما مر في بحث الأوامر والنواهي، عقبوا البحث فيهما بالبحث عن العام والخاص، وهو أيضا من المشتركات بين الكتاب والسنة إلا أنه قد يجري في غيرهما أيضا في الجملة. وكيف كان فالأولى أولا تقديم تعريف العام والخاص ثم الشروع في مباحث الباب. وقد اختلفوا في تعريف العام وعرفوه على وجوه شتى وذكروا له حدودا مختلفة، وليس ذلك مبنيا على الاختلاف في المحدود، بل إنما هو من جهة المناقشة فيما يرد على الحدود. فاختار كل منهم حدا على حسب ما استجوده:
أحدها: ما حكي عن أبي الحسين البصري واختاره جماعة وإن اختلفوا في زيادة بعض القيود " من أنه اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له " ويرد عليه أمور:
منها: أن أخذ المستغرق في الحد يوجب الدور، إذ هو مرادف للعام، نعم لو كان التعريف لفظيا جاز ذلك لكنه غير مقصود في المقام، إذ المراد به كشف الحقيقة. وضعفه ظاهر، لمنع المرادفة بين العموم والاستغراق، ومع تسليمه فليس مرادفا للعموم بالمعنى المحدود غاية الأمر أن يكون مرادفا للعموم اللغوي.
ومنها: أنه إن أريد مما يصلح له الجزئيات التي وضع اللفظ لما يعمها ويصدق عليها - كما هو الظاهر من العبارة - لم يكن جامعا، لخروج الجمع المحلى باللام والمضاف من الحد، فإن المنساق منهما على المشهور المنصور هو استغراق كل من الآحاد دون المجموع وليس ذلك من جزئيات الجمع وإنما هو من أجزائه.
وإن أريد به الأجزاء التي تصلح اللفظ للإطلاق عليها أجمع لم ينطبق على المحدود، إذ لا يصدق ذلك على كثير من العمومات، فإن عمومها من جهة استغراقها الجزئيات دون الأجزاء، مضافا إلى عدم كونه مانعا، لشموله لسائر الألفاظ الموضوعة بإزاء المعاني المركبة - كأسماء العدد - بل الأعلام الشخصية، بل ويندرج فيه المركبات نحو ضرب زيد عمرا فإن المأخوذ في الحد مطلق اللفظ الشامل للمفرد والمركب مع عدم صدق العام على شئ منها.