فظهر بما ذكرنا ضعف كل من الأقوال المذكورة، وتبين أيضا ما هو أظهر الوجوه في المسألة، فتأمل.
البحث الثاني (1) في بيان حجية العقل وصحة الاعتماد عليه.
في إدراكاته العلمية وإن كان بعد تلفيق المقدمات النظرية وإقامة البراهين العقلية الصرفة الخارجة مبادئها عن المحسوسات أو ما يقرب منها.
وقد وقع الخلاف في المقام من طوائف منهم: السوفسطائية المنكرة لحصول العلم بالمرة من جميع الطرق المقررة سواء كانت ضرورية أو نظرية أو غير ذلك، ولذا أنكروا جميع الشرائع المنزلة والأديان المقررة، والضرورة العقلية قاضية بفساد ما توهموه، وكأنهم قد انسلخوا عن الغريزة الانسانية حيث أنكروا الكمالات العلمية التي هي عمدة ما يمتاز بها الانسان عن الحيوانات السائمة، وتسلط عليهم الأوهام الكاذبة فتشبثوا ببعض خيالات واهية لا يخفى وهنه على من له أدنى مسكة، فليس ما توهموه قابلا للإيراد والمنازعة وقد نبه على جملة من الشناعات الواردة عليهم بعض الأجلة في محله.
ومنهم: جماعة من الصوفية المدعين لأخذ العلوم من طريق الكشف والمشاهدة بعد الإتيان بالرياضات المقررة. فذهبوا إلى عدم الاعتماد على العلوم النظرية وإيقاعات الربانية (2) وادعوا انحصار العلم في العلوم الضرورية الحاصلة بأسبابها المعروفة أو من طريق التصفية والمجاهدة، فيشاهد النفس بجوهرها ما هو ثابت في الحقيقة على نحو مشاهدتها للأمور الحسية وعلمه بها بتوسط إحدى الحواس الباطنة أو الظاهرة، بل العلم الحاصل بها أقوى منها بمراتب عديدة.
ومنهم: جماعة من الأخبارية المدعين انحصار مدارك العلم بالأحكام في الأخبار المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام)، وأول من أشار إلى ذلك المحدث الأمين