يجب التكرار هناك بتكرر الحاجة أو لا؟ كما إذا اجتهد في طلب القبلة لصلاة فحضرت أخرى، أو طلب الماء للتيمم مرة فأحدث ثم أراد أن يتيمم أخرى، أو زكي الشاهد عند الحاكم لقبول شهادته في واقعة وشهد في أخرى، ونحو ذلك فقد يقال بوجوب التكرار هنا بناء على وجوب التكرار في الاجتهاد المتعلق بالأحكام، وعدمه بناء على عدم وجوبه هناك، والأظهر انتفاء الملازمة بين الأمرين، والمتبع هو ما يقتضيه الدليل في خصوص كل من تلك المقامات.
- المسألة الثالثة - إذا حكم المفتي بشئ ثم عدل عنه وجب عليه الأخذ بمقتضى اجتهاده الثاني سواء كان قاطعا أولا بالحكم ثم ظن خلافه أو بالعكس، أو كان الحكمان ظنيين مختلفين في القوة أو متفقين، وسواء كان أقوى نظرا وأوسع باعا حال اجتهاده الأول أو بالعكس، أو تساوى حاله في الحالين. وكذا الحال بالنسبة إلى من قلده فيه فإنه يجب عليه العدول عن فتواه الأول مطلقا بلا خلاف ظاهر في شئ من المقامين، بل قد حكي الاجماع على الأمرين.
ففي شرح المبادئ: إذا اجتهد في مسألة فأداه اجتهاده إلى حكم ثم اجتهد في تلك المسألة فأداه اجتهاده إلى غير ذلك الحكم فإنه يجب عليه الرجوع إلى ما أداه اجتهاده ثانيا إليه إجماعا، ويجب على المستفتي العمل بما أداه اجتهاده إليه ثانيا والرجوع عن الأول إجماعا انتهى.
وظاهره دعوى الاجماع على تعين أخذ المقلد بفتواه الثاني، وهو غير ظاهر، إذ بعد رجوعه عن تقليده في حكمه الأول لا دليل على تعين أخذه بالحكم الثاني، لجواز رجوعه حينئذ إلى مجتهد آخر، كما هو قضية الأصل. وقد ينزل العبارة على تعين أخذه بالفتوى الثاني إن أراد الرجوع إليه والفرض بيان عدم جواز أخذه بفتواه الأول، أو بحمل الوجوب على التخييري. وكيف كان فالمتعين رجوع المقلد عن حكمه الأول، ويتخير حينئذ بين الأخذ بفتواه الثاني أو الرجوع إلى غيره على ما كان تكليفه في ذلك قبل تقليده فيه.