ومن ذلك يتبين الجواب عن الثاني أيضا: فإن عموم لزوم الحرج في المقام قاض بعدم تشريع الحكم، فيعم الموارد النادرة أيضا مما لا حرج فيها، بخلاف ما إذا كان الحرج اتفاقيا، فإنه إنما يتبع حصول الحرج والفرق بين الصورتين ظاهر لا يخفى. فما ذكره من دوران الحكم مدار حصول الحرج مطلقا ضعيف جدا، كما يتضح ذلك من ملاحظة نظائره في سائر المقامات.
الثالث: أنك قد عرفت: أن الأصل في الأشياء بمقتضى العمومات المتقدمة هو الحل حتى يعلم ثبوت التحريم، والعلم الحاصل في غير المحصور بوجود الحرام في الجملة لا يعد في العرف علما بثبوت التحريم بالنسبة إلى شئ من الخصوصيات حتى يمنع من الإقدام بالنسبة إلى خصوص الموارد الدائر احتمال كون المحرم خصوص شئ منها في نظر العرف جدا بحيث لا يلتفت إليه في الإقدام على خصوص الموارد، بل يعد التحرز منه عن الجهة المذكورة من ظنون أصحاب السوداء، وذلك كالتحرز عن كثير من المطعومات لاحتمال كونه مسموما نظرا إلى حصول العلم بوجود طعام مسموم في العالم، فقد يكون هو ذلك الذي يريد الإقدام على أكله. وإذا لم يكن الاحتمال المذكور ملتفتا إليه بحسب العرف في شئ من الموارد الخاصة لم يعد ذلك العلم الاجمالي علما في المقام، فمقتضى العمومات المذكورة ثبوت الحل والإباحة بالنسبة إلى خصوص الموارد - كما هو المدعى - ولا يجري نحو ذلك بالنسبة إلى الشبهة المحصورة كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله فتأمل.
بقي الكلام في المراد بغير المحصور: ففسره بعضهم بما يكون خارجا عن حد الإحصاء بحسب العادة، فيتعذر أو يتعسر إحصاؤه في العادة، لكثرته وانتشاره. ويمكن أن يقال: إنه ما يكون احتمال إصابة الحرام المعلوم بالنسبة إلى الإقدام على خصوص المصاديق الخاصة موهونا غير ملتفت إليه بحسب العادة.
أو إنه ما لا يكون الإقدام على المصداق الخاص قاضيا برفع العلم الاجمالي الحاصل بوجود الحرام، بل مع البناء على حرمة ذلك المصداق أو حليته يقطع بوجود الحرام في الجملة من دون تفاوت.