وأما على القول بالاحتياج فطرو الثاني إنما يكون برفع علة الأول وجودا كان أو عدما ولو برفع جزء من أجزاء تلك العلة، لوضوح عدم إمكان اجتماع العلتين التامتين، لوجود الشئ وعدمه، وإلا لزم المفسدة المذكورة وهو ظاهر.
الخامس: أن مجرد المنافاة بين الحكمين لا يستلزم أن يكون وجود الطارئ مشروطا بزوال السابق، كيف؟ والمنافاة بين وجود العلة وعدم المعلول ظاهرة مع وضوح عدم اشتراط وجود العلة بانتفاء عدم المعلول يعني وجوده.
وفيه: أنه ليس بناء الاحتجاج على إثبات الاشتراط بمجرد ثبوت المنافاة، بل لما ذكر من الدليل القاضي بثبوت الاشتراط، وحينئذ فالحق في الجواب أنه ليس المراد كون الحكم الطارئ بنفسه رافعا للحكم الأول، إذ قد لا يخلف الحكم المنسوخ حكم آخر من الشرع، بل المقصود رفعه بالدليل الطارئ القاضي برفعه.
ومن البين عدم قيام الدليل بمحل الحكم (1) وورود المفسدة المذكورة.
وحينئذ فالدليل المفروض وإن قضى بثبوت حكم آخر بدل المنسوخ فذلك الدليل هو الرافع للحكم الأول.
وعن السادس: أنه إن أريد به لزوم انكشاف شئ لم يتبين له أولا فهو فاسد، إذ لا يلزم من القول بالرفع عدم علمه بوجوه المفاسد والمصالح، ولا يلزم من علمه بها عدم تشريعه الحكم على وجه الدوام حسب ما عرفت.
وإن أريد به لزوم نفيه شيئا بعد إثباته له أولا فهذا مما لا مفسدة فيه ولا دليل على فساده.
وعن السابع: أنه منقوض بسائر الممكنات فإنها من جهة تعلق علمه تعالى بوجودها أو عدمها يستحيل وقوع خلافه نظرا إلى ما ذكر، فتكون إذن واجبة أو ممتنعة بالذات، وهذا خلف. والحل أن أقصى ما يلزم من ذلك - على فرض صحته - استحالة وجود ذلك الحكم في الزمان اللاحق، وهو لا يقضي باستحالته بالذات، لكونها أعم من الذاتي والعرضي، فأي مانع من أن يكون محالا من جهة وقوع