ويتعين (1) الطهارة إلى التيمم الرافع لحكم المائية، وإن كان ثبوت الحكم الثاني لقيام الدليل الشرعي عليه، ومن ذلك طرو العجز عن أداء المأمور به والنوم والجنون ونحوها الرافع للتكليف الثابت على المكلف، وإن دل الشرع عليه، إذ ليس الدليل الدال على ذلك رافعا للحكم الأول، بل يثبت به حكم ذلك العارض وهو ثابت مع ثبوت أصل الحكم، ورفع الحكم حينئذ إنما يتسبب عن ذلك العارض فاعتبر في الحد كون الرافع نفس الدليل القاضي بالرفع لا أمر آخر ليخرج عنه ارتفاع الحكم بالمذكورات، فإنه لا يعد نسخا، وجعل في النهاية اخراج رفع الحكم بالنوم والغفلة نحوهما من جهة التقييد بالشرعي، حيث إن رفع الحكم هناك بالدليل العقلي، وفيه ما لا يخفى.
وأورد عليه في المنية: بأن رفع الحكم بالعجز لا يجب اخراجه عن حد النسخ إلا إذا لم يكن نسخا، وهو ممنوع. وقد اعترف المصنف في ما تقدم بجواز النسخ والتخصيص بالعقل. سلمنا، لكن لا يخرج بالقيد المذكور، لأن دلالة العقل عليه لا يمنع من دلالة الشرع، وهو ظاهر من قوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (2).
وفيه: أن القول بكون رفع الحكم بالعجز نسخا بين الفساد، ضرورة أن كون العجز رافعا أمر ظاهر حين صدور الخطاب فأصل التكليف بالفعل مغيا ببقاء القدرة عليه، ومثل ذلك كيف يمكن عده نسخا؟
غاية الأمر أن يورد على المصنف أن حمله الدليل الشرعي على ما يقابل العقلي يقضي بعدم كون العقل ناسخا، وهو ينافي ما قرره أولا من جواز كون العقل ناسخا. ثم إن قوله تعالى * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * ليس ناسخا للخطابات المطلقة، وإنما هو مبين لعدم شمولها حال العجز.