وادعى جماعة عليه الاجماع بل جعله البعض من الضروريات؟ وقد اعترف الفاضل المذكور بأن حكاية الاجماع ودعوى الضرورة يبعد حمل كلامهم على ما قرره. قلت بل يقضي بالقطع بخلافه سيما بعد ملاحظة ما قررناه هذا.
وأما استحقاق الثواب على فعل المقدمة فلا مانع منه لو أتى بها من جهة الإيصال إلى أداء مطلوب الشارع، فيكون واجبا غيريا مستحبا نفسيا حسب ما مر بيانه، بل لا يبعد القول بتفرعه عليه حينئذ على القول بعدم الوجوب أيضا، نظرا إلى أنها جهة مرجحة للفعل يصح قصد التقرب من أجلها وليس ذلك قولا باستحباب المقدمة مطلقا بل إذا أوقعها على الجهة الخاصة، كما أن المباحات بل المكروهات أيضا تندرج في المندوبات بعد ملاحظة الجهات.
قال بعض الأفاضل بعد الحكاية عن بعض المحققين ترتب المدح والثواب على فعلها حاكيا له عن الغزالي أنه لا غائلة فيه إلا أنه قول بالاستحباب، ففيه إشكال إلا أن يقال باندراجه تحت الخبر العام " فيمن بلغه ثواب... الخ " فإنه يعم جميع أقسام البلوغ حتى فتوى الفقيه، فإن أراد استحبابها إذا أتى بها على الجهة التي ذكرناه فهو كذلك إلا أنه لا إشكال إذن في استحبابها ولو على القول بعدم وجوب المقدمة ولا حاجة إلى التمسك بما ذكره مع ضعفه، وإن أراد استحبابها مطلقا فهو موهون جدا، إذ لا دليل عليه أصلا، والاستناد إلى ما ذكره ضعيف جدا.
ثم الظاهر إنه لا إشكال أيضا في عدم كون وجوب المقدمة على فرض ثبوته أصليا، لوضوح أن الخطاب بالمقدمة ليس عين الخطاب بذيها ولا جزئه ولا خارجه اللازم، بحيث يفهم من مجرد اللفظ الدال على وجوب شئ وجوب مقدمته حتى يندرج في الدلالة الالتزامية اللفظية، لوضوح جواز الانفكاك بينهما بحيث لا مجال للريب فيه، فالظاهر أن القائلين بالوجوب لا يقولون به، وهو مع وضوح فساده ليس في شئ من أدلتهم ولا المعروف من كلماتهم المنقولة في المسألة دلالة على ذلك بوجه.
وما قد يتخيل من دلالة بعض ما ذكروه على ذلك قد عرفت ما فيه، فلا وجه