ومن ثم حكى بعض الأصوليين القول بعدم الوجوب فيه أيضا عن بعض. ولكنه غير معروف.
وعلى كل حال، فالذي أراه: أن البحث في السبب قليل الجدوى، لأن تعلق الأمر بالمسبب نادر، وأثر الشك في وجوبه هين.
وأما غير السبب، فالأقرب عندي فيه قول المفصل. لنا: أنه ليس لصيغة الأمر دلالة على إيجابه بواحدة من الثلاث، وهو ظاهر. ولا يمتنع عند العقل تصريح الآمر بأنه غير واجب، والاعتبار الصحيح بذلك شاهد. ولو كان الأمر مقتضيا لوجوبه لامتنع التصريح بنفيه.
احتجوا: بأنه لو لم يقتض الوجوب في غير السبب أيضا، للزم أما تكليف ما لا يطاق أو خروج الواجب عن كونه واجبا. والتالي بقسميه باطل. بيان الملازمة: أنه مع انتفاء الوجوب - كما هو المفروض - يجوز تركه. وحينئذ فإن بقي ذلك الواجب واجبا لزم تكليف ما لا يطاق، إذ حصوله حال عدم ما يتوقف عليه ممتنع. وإن لم يبق واجبا خرج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا. وبيان بطلان كل من قسمي اللازم ظاهر. وأيضا، فإن العقلاء لا يرتابون في ذم تارك المقدمة مطلقا.
وهو دليل الوجوب.
والجواب عن الأول، بعد القطع ببقاء الوجوب: أن المقدور كيف يكون ممتنعا؟ والبحث إنما هو في المقدور، وتأثير الايجاب في القدرة غير معقول. والحكم بجواز الترك هنا عقلي لا شرعي، لأن الخطاب به عبث، فلا يقع من الحكيم. وإطلاق القول فيه يوهم إرادة المعنى الشرعي فينكر. وجواز تحقق الحكم العقلي هنا دون الشرعي يظهر بالتأمل.
وعن الثاني: منع كون الذم على ترك المقدمة، وإنما هو على ترك الفعل المأمور به، حيث لا ينفك عن تركها.