والظاهر الأول، إذ الفورية إنما تستفاد من الهيئة، ووضعها من قبيل أوضاع الحروف، فإن الهيئات موضوعة للمعاني الناقصة الآلية الرابطية، فكما أن الوجوب الذي يستفاد من الصيغة معنى حرفي حسب ما مر بيانه فكذا الفور على القول به، فيكون قيدا ملحوظا في الطلب ويجعل معه مرآتا، لملاحظة حال الحدث مع فاعله المنسوب إليه، فالحدث إنما يحمل على فاعله من حيث كونه على وجه الفور.
فيحصل بالطلب المفروض المستفاد من هيئة الأمر أمران: طلب للفعل وطلب للفور، فالفورية بالملاحظة الأولى من حيث دلالة الهيئة عليه ملحوظة آلة ومرآتا، إلا أنه بالملاحظة الثانية ملحوظة استقلالا، كما هو الحال في نفس الطلب اللازم من ذلك تقييد المطلوب أيضا ولو اخذت أولا قيدا للمطلوب كانت ملحوظة على وجه الاستقلال من أول الأمر، كما هو الحال في المطلوب المتقيد به، ويلزم ذلك من تعلق الطلب بها أيضا، إلا أن ذلك لا يلائم وضع الهيئة.
وكيف كان فعلى كل من الوجهين فإما أن ينحل ذلك إلى طلبين أو مطلوبين أو يكون هناك طلب، أو مطلوب واحد متقيد بذلك من غير أن ينحل ذلك إلى طلبين أو مطلوبين، فلا بقاء لمطلق طلب الفعل مع انتفاء ذلك القيد.
والظاهر: أن ذلك مبنى النزاع في المقام.
فالمختار عند جماعة هو عدم ارتباط طلب الفور بطلب الفعل، نظرا إلى المنساق من الأمر في المقام هو كون الفعل مطلوبا مطلقا، غاية الأمر أن يفيد الأمر وجوب الفور أيضا، وعليه مبنى الاستدلال المذكور.
والمختار عند آخرين تقييده، لكون الطلب والمطلوب هنا شيئا واحدا حتى أنه لو قيد به لفظا عد مجموع القيد والمقيد شيئا واحدا، فينتفي المقيد بفوات قيده على ما هو التحقيق.
والأوضح في المقام هو الوجه الأول، وإن كان المنساق من تقييده به في اللفظ هو الاتحاد والانتفاء بانتفاء القيد، نظرا إلى أن ما ذكر هو المفهوم من الأمر