المفروض لم يكن إيجاب تلك الخصوصية من إيجاب المقدمة، بخلاف الصورة الأولى، إذ ليس المقصود هناك إلا إيجاد ما يتوقف الواجب عليه، غير أن مطلوبية ذلك إنما يكون على الوجه السائغ. فالفرق بين المقامين: أن المطلوب في الأول هو إيجاد ما يتوقف الواجب عليه، أعني القدر المشترك، لكن وقع الإيجاب على النحو الخاص حيث إنه القابل لذلك، نظرا إلى وجود المانع من وجوب غيره.
وأما في الثاني فليس المطلوب هناك إلا خصوص ذلك النحو الخاص، والمفروض عدم توقف الواجب عليه، فلا يكون ذلك من إيجاب المقدمة، ولذا لا يتأمل أحد في إدراج القسم الأول في إيجاب المقدمة، بل ليس إيجاب المقدمات في الشرع - بل العرف - إلا على النحو المذكور، أليس من يقول بوجوب مقدمة الواجب قائلا بوجوب الإتيان بها على النحو الجائز عقلا وشرعا، ولا يقول بوجوب جميع أفرادها المحللة والمحرمة؟! وليس إيجابها على الوجه المذكور إيجابا لغير المقدمة قطعا، لوضوح أن الخصوصية غير ملحوظة بنفسها في وجوبها، وإنما اخذت في المقام من جهة حصول المانع في غيره، فإيجاب الطبيعة الكلية إنما يقضي بوجوب كل من أفرادها، نظرا إلى إيجاد الطبيعة بها إذا لم يكن في خصوصية الفرد مانع عن الوجوب، وإلا أفاد ذلك تقييد الوجوب بغيره مع صدق وجوب الطبيعة المطلقة أيضا، وهذا بخلاف ما إذا تعلق الوجوب أولا بالمقيد، فعدم فرقه في المقامين بين الصورتين المذكورتين هو الذي أدخل عليه الشبهة المذكورة.
وأما ما ذكره من لزوم سقوط الواجب بفعل غيره ففيه: أن ذلك مما لا مانع منه، وهو كثير في الشريعة، كما عرفت من ملاحظة الأمثلة المتقدمة.
نعم، لو قيل بلزوم أداء الواجب بفعل غيره كان ذلك مفسدة، وفرق ظاهر بين الأمرين حسب ما عرفت الحال فيه مما قررناه.
وأما ما ذكره في التوجيه من أن المقدمة هنا خصوص الفعل المشروع فهو ضعيف أيضا، إذ المقدمة وما يتوقف عليه الفعل هو الأعم قطعا، غاية الأمر أن