ثم ذكر: أن القول بأن المقدمة في المقام هو الفعل المشروع دون غيره إذ الإتيان بالمأمور به على وجه لا يقع المكلف في الحرام متوقف على الإتيان بالوجه المشروع إن تم، فإنما يدفع الإيراد من الأولين، أعني عدم وجوب المقدمة ووجوب غير المقدمة. وأما سقوط الواجب بغير الواجب فهو باق على حاله، قال:
على أن هذا اصطلاح آخر في المقدمة غير ما هو المشهور، فإن الشرط الشرعي ما يشترط في صحة الفعل واعتباره، لا ما يكون تجنب القبيح في الإتيان بالمأمور به متوقفا عليه، فإن ذلك مقدمة ترك القبيح، لا مقدمة فعل المأمور به.
قلت: ولا يذهب عليك وهن جميع ما قرره في المقام. وما ذكره من الوجه في كونها على حد غيرها من الواجبات عين الوجه الذي احتملناه في تنزيل كلام المصنف (رحمه الله)، وهو وجه متين في نفسه وإن لم يكن مخصوصا بالمقدمة عند التأمل حسب ما قررناه، إلا أنه لا يساعده عبارة المصنف حسبما مر الكلام فيه، وما أورد عليه من الوجوه الثلاثة بين الاندفاع.
وتوضيحه: أن المقدمة في المقام هو القدر المشترك بين الجائز والحرام، إذ هو الذي يتوقف عليه الفعل، ولا بد منه في حصوله، لكن الشارع إذا أوجب ذلك الكلي فإنما يوجب الإتيان به على الوجه السائغ من دون غيره، فيقيد الأمر به بذلك. ألا ترى أن حفظ النفس المحترمة إذا توقف على دفع القوت إليها حصل ذلك ببذل كل من المحرم والمحلل لها؟ لكن الشارع إذا أوجب ذلك لتوقف الواجب عليه فإنما يوجبه على الوجه السائغ دون الحرام. وكذا قطع المسافة للحج، فإن القدر المتوقف عليه هو الأعم من الوجهين، ولكن إذا أوجب الشارع ما يتوقف عليه الوصول إلى محال المناسك فلا يوجب إلا إيجاده على النحو الجائز، وليس ذلك حينئذ إلا إيجابا للمقدمة المفروضة، لا إيجابا لغير المقدمة كما زعمه، لوضوح أن المطلوب في المقام هو تحصيل ما يوصل إلى المطلوب، إلا أن القابل للمطلوبية عند الآمر هو ذلك.
نعم، لو أوجب نحوا خاصا منه، كما إذا أوجب الركوب أو المشي في المثال