وحينئذ فنقول: إن عروض الوجوب للكل يتصور على كل من الوجهين المذكورين، فإنه قد يكون مطلوب الأمر هو ايجاد الكل من حيث إنه كل حتى أنه لو أتى به ناقصا لم يكن مطلوبا له ولا راجحا عنده، كما هو الحال في وجوب الصلاة وقد يكون مطلوبه هو جميع الأجزاء بأن لا يكون للهيئة الاجتماعية مدخلية في تعلق الوجوب بالأجزاء، فيكون نسبة الوجوب إلى الأجزاء على نحو نسبته إلى الكل، كما في وجوب الزكاة وصيام شهر رمضان بالنسبة إلى أيامه، لقيام الوجوب حقيقة بكل جزء من أجزاء الزكاة وكل يوم من أيامه، ولذا يحصل الامتثال بحسبه بالنسبة إلى كل منها فليس الكل إلا عنوانا لأجزائه ويكون الحكم متعلقا بالأجزاء، فهي حينئذ مطلوبة بالذات على وجه الحقيقة بخلاف الوجه الأول.
فالفرق بين الوجهين نظير الفرق بين العام المجموعي والاستغراقي، فكما أن هناك اعتبارين حاصلين في الحكم المتعلق بالجزئيات كذا في المقام بملاحظة الأجزاء فكل الأجزاء في الصورة الأولى متعلق للطلب على سبيل الحقيقة بعنوان واحد - أعني عنوان الكل من حيث هو - وليست دلالته على الأجزاء مقصودة إلا بقصد الكل، كتعلق الحكم بها من غير أن يتعلق القصد ولا الحكم بشئ منها في نفسه ولا من حيث أدائه إلى أداء الكل.
ولو قلنا بدلالته على ثبوت الحكم للأجزاء من الحيثية المذكورة فهي بملاحظة أخرى غير تلك الملاحظة وتلك الأجزاء في الصورة الثانية متعلقة للطلب حقيقة بعنوان واحد أيضا - أعني بملاحظة الكل - لكن لا يتعلق الحكم به من حيث هو كل، بل لما جعل ذلك العنوان مرآتا، لملاحظة ماله من الأجزاء فكل من تلك الأجزاء متعلق للطلب على سبيل الحقيقة، ودلالة وجوب الكل على وجوبها كذلك على سبيل التضمن، فلا بد من الفرق بين الصورتين وما ذكرناه من أن دلالته على وجوب الأجزاء من باب المقدمة من جهة استلزام وجوب الكل لوجوبها إنما هو في الصورة الأولى خاصة.
ثم اعلم أن هناك فرقا بين وجوب الاجزاء من باب المقدمة ووجوب