السادسة: أن الله تعالى أنزل هذا القرآن، وعجز القوم عن الإتيان بمثل آية لصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بين وأوضح الأمر في عجزهم، بأن كرر ذكر القصة في مواضع، إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأي نظم جاءوا، بأي عبارة عبروا، قال ابن فارس: وهذا هو الصحيح.
السابعة: أنه لما سخر العرب بالقرآن قال: (فأتوا بسورة من مثله)، وقال في موضع آخر: (فأتوا بعشر سور)، فلو ذكر قصة آدم مثلا في موضع واحد واكتفى بها لقال العربي بما قال الله تعالى: (فأتوا بسورة من مثله)، (إيتونا أنتم بسورة من مثله "، فأنزلها سبحانه في تعداد السور، دفعا لحجتهم من كل وجه.
الثامنة: أن القصة الواحدة من هذه القصص، كقصة موسى مع فرعون - وإن ظن أنها لا تغاير الأخرى - فقد يوجد في ألفاظها زيادة ونقصان وتقديم وتأخير، وتلك حال المعاني الواقعة بحسب تلك الألفاظ، فأن كل واحدة لا بد وأن تخالف نظيرتها من نوع معنى زائد فيه، لا يوقف عليه إلا منها دون غيرها، فكأن الله تعالى فرق ذكر ما دار بينهما وجعله أجزاء، ثم قسم تلك الأجزاء على تارات التكرار لتوجد متفرقة فيها، ولو جمعت تلك القصص في موضع واحد لأشبهت ما وجد الأمر عليه من الكتب المتقدمة، من انفراد كل قصة منها بموضع، كما وقع في القرآن بالنسبة ليوسف عليه السلام خاصة، فاجتمعت في هذه الخاصية، من نظم القرآن عدة معان عجيبة:
منها: أن التكرار فيها مع سائر الألفاظ لم يوقع في اللفظ هجنة، ولا أحدث مللا، فباين بذلك كلام المخلوقين.
ومنها: أنه ألبسها زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا، ليخرج بذلك الكلام أن