فهذه استعارة نقلت لها وصف الشجاع، إلى عبارة صالحة للأسد، لولا قرينة السلاح لشككت: هل أراد الرجل الشجاع أو الأسد الضاري؟
الثالث لا بد فيها من ثلاثة أشياء أصول: مستعار، ومستعار منه، وهو اللفظ، ومستعار له وهو المعنى، ففي قوله تعالى: (واشتعل الرأس شيبا) المستعار الاشتعال، والمستعار منه النار، والمستعار له الشيب، والجامع بين المستعار منه والمستعار له مشابهة ضوء النهار لبياض الشيب.
وفائدة ذلك وحكمته وصف ما هو أخفى بالنسبة إلى ما هو أظهر. وأصل الكلام أن يقال: واشتعل شيب الرأس، وإنما قلب للمبالغة لأنه يستفاد منه عموم الشيب لجميع الرأس، ولو جاء الكلام على وجهه لم يفد ذلك العموم. ولا يخفى أنه أبلغ من قولك: كثر الشيب في الرأس، وإن كان ذلك حقيقة المعنى، والحق أن المعنى يعار، أولا ثم بواسطته يعار اللفظ، ولا تحسن الاستعارة إلا حيث كان الشبه مقررا بينهما ظاهرا، وإلا فلا بد من التصريح بالشبه، فلو قلت: رأيت نخلة أو خامة وأنت تريد مؤمنا إشارة إلى قوله: " مثل المؤمن كمثل النخلة " أو " الخامة " لكنت كالملغز.
ومن أحسن الاستعارة قوله تعالى: (والصبح إذا تنفس)، وحقيقته " بدأ انتشاره "، و " تنفس " أبلغ، فإن ظهور الأنوار في المشرق من أشعة الشمس قليلا قليلا، بينه وبين اخراج النفس مشاركة شديدة.