الإعراض عن صريح الحكم كقوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)، أعرض عن ذكر مقدار الجزاء والثواب، وذكر ما هو معلوم مشترك بين جميع أعمال البشر، تفخيما لمقدار الجزاء، لما فيه من إبهام المقدار، وتنزيلا له منزلة ما هو غير محتاج إلى بيانه، على حد " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله "، أعرض عن ذكر الجزاء إلى إعادة الشرط، تنبيها على عظم ما ينال، وتفخيما لبيان ما أتى به من العمل، فصار السكوت عن مرتبة الثواب أبلغ من ذكرها.
وكقوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا)، وهذه الآية تتضمن الرجوع والبقاء والجمع، ألا تراه كيف رجع بعد ذكره المبتدأ الذي هو الذين عن ذكر خبره إلى الشروع في كلام آخر، فبنى مبتدأ على مبتدأ وجمع؟ والمعنى قوله: (إنا لا نضيع) من خبر المبتدأ الأول، وتقديره: إنا لا نضيع أجرهم، لأنا لا نضيع أجر من أحسن عملا.