النوع الثالث ما قدم في آية وأخر في أخرى فمن ذلك قوله في فاتحة الفاتحة: (الحمد لله) وفي خاتمة الجاثية (فلله الحمد)، فتقديم " الحمد " في الأول جاء على الأصل، والثاني على تقدير الجواب، فكأنه قيل عند وقوع الأمر: لمن الحمد؟ ومن أهله؟ فجاء الجواب على ذلك، نظيره: (لمن الملك اليوم)، ثم قال: (لله الواحد القهار).
وقوله في سورة يس: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى)، قدم المجرور على المرفوع، لاشتمال ما قبله من سوء معاملة أصحاب القرية الرسل، وإصرارهم على تكذيبهم، فكان مظنة التتابع على مجرى العبارة، تلك القرية، ويبقى مخيلا في فكره: أكانت كلها كذلك، أم كان فيها... على خلاف ذلك، بخلاف ما في سورة القصص.
ومنها قوله في سورة النمل: (ولقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل)، وفي سورة المؤمنين: (ولقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل)، فإن ما قبل الأولى (أئذا كنا ترابا وآباؤنا)، وما قبل الثانية: (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما)، فالجهة المنظور فيها هناك كون أنفسهم وآبائهم ترابا، والجهة المنظور فيها هنا كونهم ترابا وعظاما، ولا شبهة أن الأولى أدخل عندهم في تبعيد البعث.