الرابع من الخطاب إلى الغيبة كقوله تعالى: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم)، فقد التفت عن (كنتم) إلى (جرين بهم)، وفائدة العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم، لتعجبه من فعلهم وكفرهم، إذ لو استمر على خطابهم لفاتت تلك الفائدة.
وقيل: لأن الخطاب أولا كان مع الناس: مؤمنهم وكافرهم، بدليل قوله: (هو الذي يسيركم في البر والبحر)، فلو قال: " وجرين بكم " للزم الذم للجميع، فالتفت عن الأول للإشارة إلى الاختصاص بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكره عنهم في آخر الآية، فعدل عن الخطاب العام إلى الذم الخاص ببعضهم، وهم الموصوفون بما أخبر به عنهم.
وقيل: لأنهم وقت الركوب حصروا، لأنهم خافوا الهلاك وتقلب الرياح، فناداهم نداء الحاضرين. ثم إن الرياح لما جرت بما تشتهي النفوس، وأمنت الهلاك لم يبق حضورهم كما كان على ما هي عادة الانسان، أنه إذا أمن غاب، فلما غابوا عند جريه بريح طيبة فكرهم الله بصيغة الغيبة، فقال: (وجرين بهم).
وقوله: (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) ثم قال: يطاف عليهم) فانتقل عن الخطاب إلى الغيبة، ولو ربط بما قبله لقال: " يطاف عليكم "، لأنه مخاطب لا مخبر، ثم التفت فقال: (وأنتم فيها خالدون) فكرر الالتفات.
وقوله: (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون).