روى أن الله رفع إلياس، وهذا يقتضي عذابهم في الآخرة، فإن إلياس لم يقم بينهم، وإلياس المعروف بعد موسى من بني إسرائيل، وبعد موسى لم يهلك المكذبين بعذاب الاستئصال، وبعد نوح لم يهلك جميع النوع، وقد بعث الله في كل أمة نذيرا، والله سبحانه لم يذكر عن قوم إبراهيم أنهم أهلكوا، كما ذكر ذلك عن غيرهم، بل ذكر أنهم ألقوه في النار، فجعلها بردا وسلاما، وفي هذا ظهور برهانه وآياته، حيث أذلهم ونصره، (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين) وهذا من جنس المجاهد [الذي يعرض عدوه، والقصص الأول من جنس المجاهد الذي] قتل عدوه، وإبراهيم بعد هذا لم يقم بينهم بل هاجر وتركهم، وأولئك الرسل لم يزالوا مقيمين بين أظهرهم حتى هلكوا، ولم يوجد في حق إبراهيم سبب الهلاك، وهو إقامته فيهم، وانتظار العذاب النازل، وهكذا محمد صلى الله عليه وسلم مع قومه، لم يقم فيهم، بل خرج عنهم حتى أظهره الله عليهم بعد ذلك، ومحمد وإبراهيم أفصل الرسل، فإنهم إذا علموا حصل المقصود، وقد يتوب منهم من تاب، كما جرى لقوم يونس، فهذا - والله أعلم - هو السر في أنه سبحانه لم يذكر قصة إبراهيم مع هؤلاء، لأنها ليست من جنس واقعتهم.
فإن قيل: فما وجه الخصوصية بمحمد وإبراهيم بذلك؟
فالجواب: أما حالة إبراهيم فكانت إلى الرحمة أميل، فلم يسع في هلاك قومه لا بالدعاء ولا بالمقام ودوام إقامة الحجة عليهم، وقد قال الله تعالى: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين. ولنسكننكم الأرض من بعدهم)، وكان كل قوم يطلبون هلاك نبيهم فعوقبوا، وقوم إبراهيم وإن أوصلوه إلى العذاب، لكن جعله الله عليه بردا وسلاما،