ومقابل في المعنى دون اللفظ، كقوله تعالى: (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربي)، فإنه لو كان التقابل هنا من جهة اللفظ، لكان التقدير: " وإن اهتديت، فإنما اهتديت لها ".
وبيان تقابل هذا الكلام من جهة المعنى، أن النفس كل ما هو عليها لها، فهو أعني أن كل ما هو وبال عليها وصار لها فهو بسببها ومنها، لأنها أمارة بالسوء، وكل ما هو مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه إياها، وهذا حكم لكل مكلف، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسند إلى نفسه، لأنه إذا دخل تحته مع علو محله كان غيره أولى به.
ومن هذا الضرب قوله تعالى: (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون)، فإنه لم يدع التقابل في قوله:
(ليسكنوا فيه والنهار مبصرا)، لأن القياس يقتضى أن يكون " والنهار لتبصروا فيه "، وإنما هو مراعي من جهة المعنى لا من جهة اللفظ، لأن معنى " مبصرا " تبصرون فيه طرق التقلب في الحاجات.
* * * واعلم أن في تقابل المعاني بابا عظيما يحتاج إلى فضل تأمل، وهو يتصل غالبا بالفواصل، كقوله تعالى: (إنما نحن مصلحون) إلى قوله (لا يشعرون).
وقوله: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) إلى قوله: (لا يعلمون).
فانظر فاصلة الثانية (يعلمون) والتي قبلها) يشعرون) لأن أمر الديانة والوقوف على أن المؤمنين: يجتمعون وهم مطيعون يحتاج إلى نظر واستدلال، حتى يكسب الناظر