وأخر في الأول، لأن الكلام أولا في الفعل، وثانيا فيمن فعل لأجله الفعل.
واعلم أنه إنما يحسن سؤال الحكمة عن التكرار إذا خرج عن الأصل، أما إذا وافق الأصل فلا، ولهذا لا يتجه سؤالهم: لم كرر " إياك " في قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين).
فقيل: إنما كررت للتأكيد، كما تقول: " بين زبد وبين عمرو مال ".
وقيل: إنما كررت لارتفاع أن يتوهم - إذا حذفت - أن مفعول " نستعين " ضمير متصل واقع بعد الفعل، فتفوت إذ ذاك الدلالة على المعنى المقصود، بتقديم المعمول على عامله.
والتحقيق أن السؤال غير متجه، لأن هنا عاملين متغايرين، كل منهما يقتضي معمولا، فإذا ذكر معمول كل واحد منهما بعده فقد جاء الكلام على أصله، والحذف خلاف الأصل، فلا وجه للسؤال عن سبب ذكر ما الأصل ذكره، ولا حاجة إلى تكلف الجواب عنه، وقس بذلك نظائره.
[فوائد التكرير] وله فوائد:
أحدها: التأكيد، واعلم أن التكرير أبلغ من التأكيد، لأنه وقع في تكرار التأسيس، وهو أبلغ من التأكيد، فإن التأكيد يقرر إرادة معنى الأول وعدم التجوز، فلهذا قال الزمخشري في قوله تعالى: (كلا سوف تعلمون. ثم كلا سوف تعلمون): إن الثانية تأسيس لا تأكيد، لأنه جعل الثانية أبلغ في الانشاء فقال: وفي (ثم) تنبيه على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول.