القول في التقديم والتأخير هو أحد أساليب البلاغة، فإنهم أتوا به دلالة على تمكنهم في الفصاحة، وملكتهم في الكلام وانقياده لهم. وله في القلوب أحسن موقع، وأعذب مذاق.
وقد اختلف في عدة من المجاز، فمنهم من عده منه، لأنه تقديم ما رتبته التأخير، كالمفعول، وتأخير ما رتبته التقديم، كالفاعل، نقل كل واحد منهما عن رتبته وحقه.
والصحيح أنه ليس منه، فإن المجاز نقل ما وضع له إلى ما لم يوضع.
ويقع الكلام فيه في فصول:
الفصل الأول [في أسباب التقديم والتأخير] الأول: في أسبابه، وهي كثيرة:
أحدها: أن يكون أصله التقديم، ولا مقتضى للعدول عنه، كتقديم الفاعل على المفعول، والمبتدأ على الخبر، وصاحب الحال عليها، نحو جاء زيد راكبا.
* * * والثاني: أن يكون في التأخير إخلال ببيان المعنى، كقوله تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه)، فإنه لو أخر قوله: (من آل فرعون)، فلا يفهم أنه منهم.
وجعل السكاكي من الأسباب كون التأخير مانعا، مثل الإخلال بالمقصود،