وقال الفقيه نجم الدين بن الرفعة: يحتمل أن يقال: إنه لما كان الكفر يهدر الدماء وهو موجود، كان الغاية ببذل الدم عند العصمة لأجل الميثاق أتم، لأنه يغمض حكمه، فلذلك قدمت الدية فيه، وأخرت الكفارة، لأن حكمها قد سبق. ولما كانت عصمة المسلم ثابتة، وقياس الأصول أنه لا تجب الكفارة في قتل الخطأ، لأنه لا إثم فيه، خصوصا على المسلمين لرفع القلم عن الخطأ، كانت العناية بذكر الكفارة فيه أتم، لأنها التي تغمض، فقدمت.
ومن هذا النوع قوله تعالى: (فأتبع سببا. حتى إذا بلغ مغرب الشمس) قيل: لماذا بدأ بالمغرب قبل المشرق، وكان مسكن ذي القرنين من ناحية المشرق؟ قيل:
لقصد الاهتمام، إما لتمرد أهله وكثرة طغيانهم في ذلك الوقت، أو غير ذلك مما لم ينته إلينا علمه.
ومن هذا أن تأخر المقصود بالمدح والذم أولى من تقدمه، كقوله: نعم الرجل زيد، أحسن من قولك: زيد نعم الرجل، لأنهم يقدمون الأهم، وهم في هذا بذكر المدح والذم أهم.
فأما تقديمه في قوله تعالى: (نعم العبد إنه أواب) فإن الممدوح هنا ب " نعم العبد " هو سليمان عليه السلام، وقد تقدم ذكره. وكذلك أيوب في الآية الأخرى والمخصوص بالمدح في الآيتين ضمير سليمان وأيوب، وتقديره: نعم العبد هو إنه أواب.
الرابع عشر للتنبيه على أنه مطلق لا مقيد كقوله تعالى: (وجعلوا لله شركاء الجن)، على القول بأن " الله " في موضع المفعول الثاني ل " جعل " و " شركاء " مفعول أول، ويكون " الجن " في كلام ثان مقدر،