الله " وقال " فلا تخشوا الناس واخشون " وقال " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " قلت أما الأنبياء عليهم السلام فكلهم معصومون مؤيدون من الله عز وجل وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف وأما من سواهم فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن العاص أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه إياس من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار، والله أعلم وفي السنن: القضاة ثلاثة قاض في الجنة وقاضيان في النار، رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى خلافه فهو في النار وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال حدثنا علي بن حفص أخبرنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بينما امرأتان معهما ابنان لهما إذ جاء الذئب فأخذ أحد الابنين فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا فدعاهما سليمان فقال هاتوا السكين أشقه بينكما فقالت الصغرى يرحمك الله هو ابنها لا تشقه فقضى به للصغرى " وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وبوب عليه النسائي في كتاب القضاة " باب الحاكم يوهم خلاف الحكم ليستعلم الحق " وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة سليمان عليه السلام من تاريخه عن طريق الحسن بن سفيان عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشر عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس فذكر قصة مطولة ملخصها أن امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم فامتنعت على كل منهم فاتفقوا فيما بينهم عليها فشهدوا عند داود عليه السلام أنها مكنت من نفسها كلبا لها قد عودته ذلك منها فأمر برجمها فلما كان عشية ذلك اليوم جلس سليمان واجتمع معه ولدان مثله فانتصب حاكما وتزيا أربعة منهم بزي أولئك وآخر بزي المرأة وشهدوا عليها بأنها مكنت من نفسها كلبا فقال سليمان فرقوا بينهم فسأل أولهم ما كان لون الكلب فقال أسود فعزله واستدعى الآخر فسأله عن لونه فقال أحمر وقال الآخر أغبش وقال الآخر أبيض فأمر عند ذلك بقتلهم فحكي ذلك لداود عليه السلام فاستدعى من فوره بأولئك الأربعة فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب فاختلفوا عليه فأمر بقتلهم وقوله " وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير " الآية وذلك لطيب صوته بتلاوة كتابه الزبور وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء فتجاوبه وترد عليه الجبال تأويبا ولهذا لما مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي موسى الأشعري وهو يتلو القرآن من الليل وكان له صوت طيب جدا فوقف واستمع لقراءته وقال: لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود " قال يا رسول الله لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا وقال أبو عثمان النهدي ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار مثل صوت أبي موسى رضي الله عنه ومع هذا قال عليه الصلاة والسلام " لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود " وقوله " وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم " يعني صنعة الدروع قال قتادة إنما كانت الدروع قبله صفائح وهو أول من سردها حلقا كما قال تعالى " وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد " أي لا توسع الحلقة فتقلق المسمار ولا تغلظ المسمار فتقد الحلقة ولهذا قال " لتحصنكم من بأسكم " يعني في القتال " فهل أنتم شاكرون " أي نعم الله عليكم لما ألهم به عبده داود فعلمه ذلك من أجلكم وقوله " ولسليمان الريح عاصفة " أي وسخرنا لسليمان الريح العاصفة " تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها " يعني أرض الشام " وكنا بكل شئ عالمين " وذلك أنه كان له بساط من خشب يوضع عليه كل ما يحتاج إليه من أمور المملكة والخيل والجمال والخيام والجند ثم يأمر الريح أن تحمله فتدخل تحته ثم تحمله وترفعه وتسير به وتظله الطير تقيه الحر إلى حيث يشاء من الأرض فينزل وتوضع آلاته وحشمه قال الله تعالى " فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب " وقال تعالى " غدوها شهر ورواحها شهر " قال ابن أبي حاتم ذكر عن سفيان بن عيينة عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال كان يوضع لسليمان ستمائة الف كرسي فيجلس مما يليه مؤمنو الانس ثم يجلس من ورائهم مؤمنو الجن ثم يأمر الطير فتظلهم ثم يأمر الريح فتحملهم صلى الله عليه وسلم وقال عبد الله
(١٩٦)