لأن أشد الأسماء هيبة وجلالة لفظ الله، لأنه هو الاسم الدال على الذات والصفات بأسرها أعني صفات الجلال وصفات الإكرام، فلو قال: رضي الرب عنهم لم يشعر ذلك بكمال طاعة العبد لأن المربي قد يكتفي بالقليل، أما لفظ الله فيفيد غاية الجلالة والهيبة، وفي مثل هذه الحضرة لا يحصل الرضا إلا بالفعل الكامل والخدمة التامة، فقوله: * (رضي الله عنهم) * يفيد تطرية فعل العبد من هذه الجهة.
المسألة العاشرة: اختلفوا في قوله: * (رضي الله عنهم) * فقال بعضهم: معناه رضي أعمالهم، وقال بعضهم: المراد رضي بأن يمدحهم ويعظمهم، قال: لأن الرضا عن الفاعل غير الرضا بفعله، وهذا هو الأقرب، وأما قوله: * (ورضوا عنه) * فالمراد أنه رضوا بما جازاهم من النعيم والثواب.
أما قوله تعالى: * (ذلك لمن خشي ربه) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: الخوف في الطاعة حال حسنة قال تعالى: * (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) * ولعل الخشية أشد من الخوف، لأنه تعالى ذكره في صفات الملائكة مقرونا بالإشفاق الذي هو أشد الخوف فقال: * (هم من خشية ربهم مشفقون) * والكلام في الخوف والخشية مشهور.
المسألة الثانية: هذه الآية إذا ضم إليها آية أخرى صار المجموع دليلا على فضل العلم والعلماء، وذلك لأنه تعالى قال: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * فدلت هذه الآية على أن العالم يكون صاحب الخشية، وهذه الآية وهي قوله: * (ذلك لمن خشي ربه) * تدل على أن صاحب الخشية تكون له الجنة فيتولد من مجموع الآيتين أن الجنة حق العلماء.
المسألة الثالثة: قال بعضهم: هذه الآية تدل على أن المرء لا ينتهي إلى حد يصير معه آمنا بأن يعلم أنه من أهل الجنة، وجعل هذه الآية دالة عليه. وهذا المذهب غير قوي، لأن الأنبياء عليهم السلام قد علموا أنهم من أهل الجنة، وهم مع ذلك من أشد العباد خشية لله تعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام: " أعرفكم بالله أخوفكم من الله، وأنا أخوفكم منه " والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.