دوام الخوف، أما قبل العمل فالحاصل خوف الاختلال، وأما بعد العمل فالحاصل خوف الخلاف، إذ هذه العبادة لا تليق بتلك الحضرة.
المسألة السادسة: قوله: * (عدن) * يفيد الإقامة: * (لا يخرجون منها) * * (وما هم منها بمخرجين) * * (لا يبغون عنها حولا) * يقال: عدن بالمكان أقام، وروى أن جنات عدن وسط الجنة، وقيل: عدن من المعدن أي هي معدن النعيم والأمن والسلامة، قال بعضهم: إنها سميت جنة إما من الجن أو الجنون أو الجنة أو الجنين، فإن كانت من الجن فهم المخصوصون بسرعة الحركة يطوفون العالم في ساعة واحدة فكأنه تعالى قال: إنها في إيصال المكلف إلى مشتهياته في غاية الإسراع. مثل حركة الجن، مع أنها دار إقامة وعدن، وإما من الجنون فهو أن الجنة، بحيث لو رآها العاقل يصير كالمجنون، لولا أن الله بفضله يثبته، وإما من الجنة فلأنها جنة واقية تقيك من النار، أو من الجنين، فلأن المكلف يكون في الجنة في غاية التنعم، ويكون كالجنين لا يمسه برد ولا حر * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) *.
المسألة السابعة: قوله: * (تجري) * إشارة إلى أن الماء الجاري ألطف من الراكد، ومن ذلك النظر إلى الماء الجاري، يزيد نورا في البصر بل كأنه تعالى قال: طاعتك كانت جارية ما دمت حيا على ما قال: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * فوجب أن تكون أنهار إكرامي جارية إلى الأبد، ثم قال: من تحتها إشارة إلى عدم التنغيص، وذلك لأن التنغيص في البستان، أما بسبب عدم الماء الجاري فذكر الجري الدائم، وإما بسبب الغرق والكثرة، فذكر من تحتها، ثم الألف واللام في الأنهار للتعريف فتكون منصرفة إلى الأنهار المذكورة في القرآن، وهي نهر الماء واللبن والعسل والخمر، واعلم أن النهار والأنهار من السعة والضياء، فلا تسمى الساقية نهرا، بل العظيم هو الذي يسمى نهرا بدليل قوله: * (وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار) * فعطف ذلك على البحر.
المسألة الثامنة: اعلم أنه تعالى لما وصف الجنة أتبعه بما هو أفضل من الجنة وهو الخلود أولا والرضا ثانيا، وروى أنه عليه السلام قال: " إن الخلود في الجنة خير من الجنة ورضا الله خير من الجنة.
أما الصفة الأولى: وهي الخلود، فاعلم أن الله وصف الجنة مرة بجنات عدن ومرة بجنات النعيم ومرة بدار السلام، وهذه الأوصاف الثلاثة إنما حصلت لأنك ركبت إيمانك من أمور ثلاثة اعتقاد وقول وعمل.
وأما الصفة الثانية: وهي الرضا، فاعلم أن العبد مخلوق من جسد وروح، فجنة الجسد هي الجنة الموصوفة وجنة الروح هي رضا الرب، والإنسان مبتدأ أمره من عالم الجسد ومنتهى أمره من عالم العقل والروح، فلا جرم ابتدأ بالجنة وجعل المنتهى هو رضا الله، ثم إنه قدم رضي الله عنهم على قوله: * (ورضوا عنه) * لأن الأزلي هو المؤثر في المحدث، والمحدث لا يؤثر في الأزلي.
المسألة التاسعة: إنما قال: * (رضي الله عنهم) * ولم يقل رضي الرب عنهم ولا سائر الأسماء