رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعمار الناس، فاستقصر أعمار أمته، وخاف أن لا يبلغوا من الأعمال مثل ما بلغه سائر الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر وهي خير من ألف شهر لسائر الأمم ورابعها: روى القاسم بن فضل عن عيسى بن مازن، قال: قلت للحسن بن علي عليه السلام يا مسود وجوه المؤمنين عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له يعني معاوية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى في منامه بني أمية يطؤن منبره واحدا بعد واحد، وفي رواية ينزون على منبره نزو القردة، فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * إلى قوله: * (خير من ألف شهر) * يعني ملك بني أمية قال القاسم فحسبنا ملك بني أمية، فإذا هو ألف شهر. طعن القاضي في هذه الوجوه فقال: ما ذكر من * (ألف شهر) * في أيام بني أمية بعيد، لأنه تعالى لا يذكر فضلها بذكر ألف شهر مذمومة، وأيام بني أمية كانت مذمومة.
واعلم أن هذا الطعن ضعيف، وذلك لأن أيام بني أمية كانت أياما عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يمتنع أن يقول الله تعالى إني: أعطيتك ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من تلك السعادات الدنيوية.
المسألة الثانية: هذه الآية فيها بشارة عظيمة وفيها تهديد عظيم، أما البشارة فهي أنه تعالى ذكر أن هذه الليلة خير، ولم يبين قدر الخيرية، وهذا كقوله عليه السلام لمبارزة علي عليه السلام مع عمرو بن عبد ود (العامري) أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة، فلم يقل مثل عمله بل قال: أفضل كأنه يقول: حسبك هذا من الوزن والباقي جزاف.
واعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله تعالى نيفا وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنه رزق أعمارا كثيرة، ومن أحيا الشهر لينالها بيقين فكأنه أحيا ثلاثين قدرا، يروى أنه يجاء يوم القيامة بالإسرائيلي الذي عبد الله أربعمائة سنة، ويجاء برجل من هذه الأمة، وقد عبد الله أربعين سنة فيكون ثوابه أكثر، فيقول الإسرائيلي: أنت العدل، وأرى ثوابه أكثر، فيقول: إنكم كنتم تخافون العقوبة المعجلة فتعبدون، وأمة محمد كانوا آمنين لقوله: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * ثم إنهم كانوا يعبدون، فلهذا السبب كانت عبادتهم أكثر ثوابا، وأما التهديد فهو أنه تعالى توعد صاحب الكبيرة بالدخول في النار، وأن إحياء مائة ليلة من القدر لا يخلصه عن ذلك العذاب المستحق بتطفيف حبة واحدة، فلهذا فيه إشارة إلى تعظيم حال الذنب والمعصية.
المسألة الثالثة: لقائل أن يقول: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أجرك على قدر نصبك " ومن المعلوم أن الطاعة في ألف شهر أضيق من الطاعة في ليلة واحدة، فكيف يعقل استواؤهما؟ والجواب: من وجوه: أحدها: أن الفعل الواحد قد يختلف حاله في الحسن والقبح بسبب اختلاف الوجوه المنضمة إليه، ألا ترى أن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بكذا درجة، مع أن الصورة قد تنتقض فإن المسبوق سقطت عنه ركعة واحدة، وأيضا