القول الأول: وهو قول أكثر أهل اللغة، أن الإيضاع حمل البعير على العدو، ولا يجوز أن يقال: أوضع الرجل إذا سار بنفسه سيرا حثيثا. يقال: وضع البعير إذا عدا وأوضعه الراكب إذا حمله عليه. قال الفراء: العرب تقول: وضعت الناقة، وأوضع الراكب، وربما قالوا للراكب وضع.
والقول الثاني: وهو قول الأخفش وأبي عبيد أنه يجوز أن يقال: أوضع الرجل إذا سار بنفسه سيرا حثيثا من غير أن يراد أنه وضع ناقته، روى أبو عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفة وعليه السكينة وأوضع في وادي محسر وقال لبيد: أرانا موضعين لحكم غيب * ونسخو بالطعام وبالشراب أراد مسرعين، ولا يجوز أن يكون يريد موضعين الإبل لأنه لم يرد السير في الطريق، وقال عمر بن أبي ربيعة: تبالهن بالعدوان لما عرفنني * وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا قال الواحدي: والآية تشهد لقول الأخفش وأبي عبيد.
واعلم أن على القولين: فالمراد من الآية السعي بين المسلمين بالتضريب والنمائم، فإن اعتبرنا القول الأول كان المعنى: ولأوضعوا ركائبهم بينكم، والمراد الإسراع بالنمائم، لأن الراكب أسرع من الماشي، وإن اعتبرنا القول الثاني كان المراد أنهم يسرعون في هذا التضريب.
المسألة الرابعة: نقل صاحب " الكشاف " عن ابن الزبير أنه قرأ * (ولأوقصوا) * من وقصت الناقة وقصا إذا أسرعت وأوقصتها، وقرئ ولأرفضوا.
فإن قيل: كيف كتب في المصحف * (ولا أوضعوا) * بزيادة الألف؟
أجاب صاحب " الكشاف " بأن الفتحة كانت ألفا قبل الخط العربي والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن وقد بقي في ذلك الألف أثر في الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحتها ألفا أخرى ونحوه * (أولا أذبحنه) *.
المسألة الخامسة: قوله: * (خلالكم) * أي فيما بينكم، ومنه قوله: * (وفجرنا خلالهما نهرا) * (الكهف: 33) وقوله: * (فجاسوا خلال الديار) * (الإسراء: 5) وأصله من الخلل، وهو الفرجة بين الشيئين وجمعه خلال، ومنه قوله: * (فترى الودق يخرج من خلاله) * (النور: 43) وقرئ من * (خلله) * وهي مخارج مصب القطر، وقال الأصمعي: تخللت القوم إذا دخلت بين خللهم وخلالهم. ويقال: جلسنا خلال بيوت الحي وخلال دورهم أي جلسنا بين البيوت ووسط الدور.