والثاني: أنه على صيغة التصغير وأن الأسماء الأعجمية لا تصغر، وأما الذين تركوا التنوين فلهم فيه ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنه أعجمي ومعرفة، فوجب أن لا ينصرف.
الوجه الثاني: أن قوله: * (ابن) * صفة والخبر محذوف. والتقدير: عزير ابن الله معبودنا، وطعن عبد القاهر الجرجاني في هذا الوجه في كتاب " دلائل الإعجاز "، وقال الاسم إذا وصف بصفة ثم أخبر عنه فمن كذبه انصرف التكذيب إلى الخبر، وصار ذلك الوصف مسلما. فلما كان المقصود بالإنكار هو قولهم عزير ابن الله معبودنا، لتوجه الإنكار إلى كونه معبودا لهم، وحصل كونه ابنا لله، ومعلوم أن ذلك كفر، وهذا الطعن عندي ضعيف. أما قوله إن من أخبر عن ذات موصوفة بصفة بأمر من الأمور وأنكره منكر، توجه الإنكار إلى الخبر فهذا مسلم. وأما قوله: ويكون ذلك تسليما لذلك الوصف فهذا ممنوع، لأنه لا يلزم من كونه مكذبا لذلك الخبر بالتكذيب أن يدل على أن ما سواه لا يكذبه بل يصدقه، وهذا بناء على دليل الخطاب وهو ضعيف لا سيما في مثل هذا المقام.
الوجه الثالث: قال الفراء: نون التنوين ساكنة من عزير، والباء في قوله: * (ابن الله) * ساكنة فحصل ههنا التقاء الساكنين، فحذف نون التنوين للتخفيف، وأنشد الفراء: فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا واعلم أنه لما حكى عنهم بهذه الحكاية قال: * (ذلك قولهم بأفواههم) *.
ولقائل أن يقول: إن كل قول إنما يقال بالفم. فما معنى تخصيصهم لهذا القول بهذه الصفة.
والجواب من وجوه: الأول: أن يراد به قول لا يعضده برهان فما هو إلا لفظ يفوهون به فارغ من معنى معتبر لحقه، والحاصل أنهم قالوا باللسان قولا، ولكن لم يحصل عند العقل من ذلك القول أثر، لأن إثبات الولد للإله مع أنه منزه عن الحاجة والشهوة والمضاجعة والمباضعة قول باطل، ليس عند العقل منه أثر. ونظيره قوله تعالى: * (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) * (آل عمران: 167) والثاني: أن الإنسان قد يختار مذهبا إما على سبيل الكناية وإما على سبيل الرمز والتعريض، فإذا صرح به وذكره بلسانه، فذلك هو الغاية في اختياره لذلك المذهب، والنهاية في كونه ذاهبا إليه قائلا به. والمراد ههنا أنهم يصرحون بهذا المذهب ولا يخفونه البتة. والثالث: أن المراد أنهم دعوا الخلق إلى هذه المقالة حتى وقعت هذه المقالة في الأفواه والألسنة، والمراد منه مبالغتهم في دعوة الخلق إلى المذهب.