المقصود من هذه الآية بيان أن الكفار لو أعرضوا ولم يقبلوا هذه التكاليف، لم يدخل في قلب الرسول حزن ولا أسف، لأن الله حسبه وكافيه في نصره على الأعداء، وفي إيصاله إلى مقامات الآلاء والنعماء * (لا إله إلا هو) * وإذا كان لا إله إلا هو وجب أن يكون لا مبدئ لشيء من الممكنات ولا محدث لشيء من المحدثات إلا هو، وإذا كان هو الذي أرسلني بهذه الرسالة، وأمرني بهذا التبليغ كانت النصرة عليه والمعونة مرتقبة منه.
ثم قال: * (عليه توكلت) * وهو يفيد الحصر أي لا أتوكل إلا عليه وهو رب العرش العظيم، والسبب في تخصيصه بالذكر أنه كلما كانت الآثار أعظم وأكرم، كان ظهور جلالة المؤثر في العقل والخاطر أعظم، ولما كان أعظم الأجسام هو العرض كان المقصود من ذكره تعظيم جلال الله سبحانه.
فإن قالوا: العرش غير محسوس فلا يعرف وجوده إلا بعد ثبوت الشريعة فكيف يمكن ذكره في معرض شرح عظمة الله تعالى؟
قلنا: وجود العرش أمر مشهور والكفار سمعوه من اليهود والنصارى، ولا يبعد أيضا أنهم كانوا قد سمعوه من أسلافهم ومن الناس من قرأ قوله: * (العظيم) * بالرفع ليكون صفة للرب سبحانه. قال أبو بكر: وهذه القراءة أعجب، لأن جعل العظيم صفة لله تعالى أولى من جعله صفة للعرش، وأيضا فإن جعلناه صفة للعرش، كان المراد من كونه عظيما كبر جرمه وعظم حجمه واتساع جوانبه على ما هو مذكور في الأخبار، وإن جعلناه صفة لله سبحانه، كان المراد من العظمة وجوب الوجود والتقديس عن الحجمية والأجزاء والأبعاض، وكمال العلم والقدرة، وكونه منزها عن أن يتمثل في الأوهام أو تصل إليه الأفهام. وقال الحسن: هاتان الآيتان آخر ما أنزل الله من القرآن، وما أنزل بعدهما قرآن. وقال أبي بن كعب: أحدث القرآن عهد بالله عز وجل هاتان الآيتان، وهو قول سعيد بن جبير، ومنهم من يقول: آخر ما أنزل من القرآن قوله تعالى: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * (البقرة: 281).
ونقل عن حذيفة أنه قال: أنتم تسمون هذه السورة بالتوبة، وهي سورة العذاب ما تركتم أحدا إلا نالت منه، والله ما تقرؤن ربعها.
اعلم أن هذه الرواية يجب تكذيبها، لأنا لو جوزنا ذلك لكان ذلك دليلا على تطرق الزيادة