الكفر لأجل اللعب غير جائز، فثبت أن قولهم * (إنما كنا نخوض ونلعب) * ما كان عذرا حقيقيا في الإقدام على ذلك الاستهزاء، فلما لم يكن ذلك عذرا في نفسه نهاهم الله عن أن يعتذروا به لأن المنع عن الكلام الباطل واجب. فقال: * (لا تعتذروا) * أي لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم.
المسألة الثالثة: قوله: * (قد كفرتم بعد إيمانكم) * يدل على أحكام. الحكم الأول أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفرا بالله. وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان والجمع بينهما محال. الحكم الثاني أنه يدل على بطلان قول من يقول، الكفر لا يدخل إلا في أفعال القلوب. الحكم الثالث يدل على أن قولهم الذي صدر منهم كفر في الحقيقة، وإن كانوا منافقين من قبل وأن الكفر يمكن أن يتجدد من الكافر حالا فحالا.
الحكم الرابع يدل على أن الكفر إنما حدث بعد أن كانوا مؤمنين.
ولقائل أن يقول: القوم لما كانوا منافقين فكيف يصح وصفهم بذلك؟
قلنا: قال الحسن: المراد كفرتم بعد إيمانكم الذي أظهرتموه، وقال آخرون: ظهر كفركم للمؤمنين بعد أن كنتم عندهم مسلمين، والقولان متقاربان.
ثم قال تعالى: * (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ عاصم * (إن نعف ونعذب) * بالنون وكسر الذال، وطائفة بالنصب والمعنى أنه تعالى حكى عن نفسه أنه يقول إن يعف عن طائفة يعذب طائفة والباقون بالياء وضمها، وفتح الفاء على ما لم يسم فاعله، إن يعف عن طائفة بالتذكير، وتعذب طائفة بالتأنيث، وحكى صاحب " الكشاف " عن مجاهد، إن تعف عن طائفة على البناء للمفعول مع التأنيث، ثم قال: والوجه التذكير لأن المسند إليه الظرف كما تقول سير بالدابة، ولا تقول سيرت بالدابة، وأما تأويل قراءته فهو أن مجاهدا لعله ذهب إلى أن المعنى كأنه قيل: إن ترحم طائفة فأنت كذلك، وهو غريب والجيد القراءة العامة إن يعف عن طائفة بالتذكير وتعذب طائفة بالتأنيث.