فيحتمل أن يكون قائل هذا القول الملائكة الموكلين بقبض أرواحهم، ويحتمل أن يكون القائل هم الملائكة الموكلون بعقابهم.
والقول الثاني: أن قائل هذا القول هو الله تعالى ومنشأ هذا الاختلاف إن الله تعالى هل يتكلم مع الكفار أو لا؟ فقوله تعالى في صفة الكفار: * (ولا يكلمهم) * يوجب أن لا يتكلم معهم وقوله: * (فوربك لنسألنهم أجمعين) * (الحجر: 92) وقوله: * (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) * (الأعراف: 6) يقتضي أن أن يكون تعالى يتكلم معهم، فلهذا السبب وقع هذا الاختلاف، والقول الأول أقوى، لأن هذه الآية معطوفة على ما قبلها، والعطف يوجب التشريك.
المسألة الثانية: * (فرادى) * لفظ جمع وفي واحده قولان. قال ابن قتيبة: فرادى جمع فردان، مثل سكارى وسكران، وكسالى وكسلان. وقال غيره فرادى: جمع فريد، مثل ردافى ورديف. وقال الفراء: فرادى جمع واحده فرد وفردة وفريد وفردان.
إذا عرفت هذا فقوله: * (ولقد جئتمونا فرادى) * المراد منه التقريع والتوبيخ، وذلك لأنهم صرفوا جدهم وجهدهم في الدنيا إلى تحصيل أمرين: أحدهما: تحصيل المال والجاه. والثاني: أنهم عبدوا الأصنام لاعتقادهم أنها تكون شفعاء لهم عند الله، ثم إنهم لما وردوا محفل القيامة لم يبق معهم شيء من تلك الأموال ولم يجدوا من تلك الأصنام شفاعة لهم عند الله تعالى فبقوا فرادى عن كل ما حصلوه في الدنيا وعولوا عليه، بخلاف أهل الإيمان فإنهم صرفوا عمرهم إلى تحصيل المعارف الحقة والأعمال الصالحة، وتلك المعارف والأعمال الصالحة بقيت معهم في قبورهم وحضرت معهم في مشهد القيامة، فهم في الحقيقة ما حضروا فرادى، بل حضروا مع الزاد ليوم المعاد:
ثم قال تعالى: * (لقد تقطع بينكم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ نافع وحفص عن عاصم والكسائي * (بينكم) * بالنصب، والباقون بالرفع قال الزجاج: الرفع أجود، ومعناه، لقد تقطع وصلكم، والنصب جائز والمعنى: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم. قال أبو علي: هذا الاسم يستعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون اسما منصرفا كالافتراق، والأجود أن يكون ظرفا والمرفوع في قراءة من قرأ * (بينكم) * هو الذي كان ظرفا ثم استعمل اسما، والدليل على جواز كونه اسما قوله تعالى: * (ومن بيننا وبينك حجاب) * (فصلت: 5) و * (هذا فراق بيني وبينك) * (الكهف: 78) فلما استعمل اسما في هذه المواضع جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو * (تقطع) * في قول من رفع. قال: ويدل على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا أنه لا يخلو من أن يكون الذي هو ظرف اتسع فيه أو يكون الذي هو مصدر. والقسم الثاني باطل، وإلا لصار تقدير الآية: لقد