واعلم أنه تعالى لما قال: * (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى) * وصف بعده كتاب موسى بالصفات.
فالصفة الأولى: كونه نورا وهدى للناس.
واعلم أنه تعالى سماه نورا تشبيها له بالنور الذي به يبين الطريق.
فإن قالوا: فعلى هذا التفسير لا يبقى بين كونه نورا وبين كونه هدى للناس فرق، وعطف أحدهما على الآخر يوجب التغاير.
قلنا: النور له صفتان: إحداهما: كونه في نفسه ظاهرا جليا، والثانية: كونه بحيث يكون سببا لظهور غيره، فالمراد من كونه نورا وهدى هذان الأمران.
واعلم أنه تعالى وصف القرآن أيضا بهذين الوصفين في آية أخرى، فقال: * (ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) *.
الصفة الثانية: قوله: * (تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) * وفيه مسائل:
المسألة الأول: قرأ أبو عمرو وابن كثير * (يجعلونه) * على لفظ الغيبة، وكذلك يبدونها ويخفون لأجل أنهم غائبون ويدل عليه قوله تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره، إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) * فلما وردت هذه الألفاظ على لفظ المغايبة، فكذلك القول في البواقي، ومن قرأ بالتاء على الخطاب، فالتقدير: قل لهم تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا، والدليل عليه قوله تعالى: * (وعلمتم ما لم تعلموا) * فجاء على الخطاب، فكذلك ما قبله.
المسألة الثانية: قال أبو علي الفارسي: قوله: * (يجعلونه قراطيس) * أي يجعلونه ذات قراطيس. أي يودعونه إياها.
فإن قيل: إن كل كتاب فلا بد وأن يودع في القراطيس، فإذا كان الأمر كذلك في كل الكتب، فما السبب، في أن حكى الله تعالى هذا المعنى في معرض الذم لهم.
قلنا: الذم لم يقع على هذا المعنى فقط، بل المراد أنهم لما جعلوه قراطيس، وفرقوه وبعضوه، لا جرم قدروا على إبداء البعض، وإخفاء البعض، وهو الذي فيه صفة محمد عليه الصلاة والسلام.
فإن قيل: كيف يقدرون على ذلك مع أن التوراة كتاب وصل إلى أهل المشرق والمغرب، وعرفه أكثر أهل العلم وحفظوه، ومثل هذا الكتاب لا يمكن إدخال الزيادة والنقصان فيه، والدليل عليه أن الرجل في هذا الزمان لو أراد إدخال الزيادة والنقصان في القرآن لم يقدر عليه، فكذا القول في التوراة.