تدعون من دون الله وبين أن الذين يعبدونها إنما يعبدونها بناء على محض الهوى والتقليد، لا على سبيل الحجة والدليل، لأنها جمادات وأحجار وهي أخس مرتبة من الإنسان بكثير، وكون الأشرف مشتغلا بعبادة الأخس أمر يدفعه صريح العقل. وأيضا أن القوم كانوا ينحتون تلك الأصنام ويركبونها، ومن المعلوم بالبديهة أنه يقبح من هذا العامل الصانع أن يعبد معموله ومصنوعه. فثبت أن عبادتها مبنية على الهوى. ومضادة للهدى، وهذا هو المراد من قوله * (قل لا أتبع أهواءكم) * ثم قال: * (قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين) * أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال وما أنا من المهتدين في شيء. والمقصود كأنه يقول لهم أنتم كذلك. ولما نفى أن يكون الهوى متبعا، على ما يجب اتباعه بقوله: * (قل إني على بينة من ربي) * أي في أنه لا معبود سواه. وكذبتم أنتم حيث أشركتم به غيره.
واعلم أنه عليه الصلاة والسلام، كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم بسبب هذا الشرك. والقوم لإصرارهم على الكفر كانوا يستعجلون نزول ذلك العذاب. فقال تعالى قل يا محمد: * (ما عندي ما تستعجلون به) * يعني قولهم * (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * (الأنفال: 32) والمراد أن ذلك العذاب ينزله الله في الوقت الذي أراد إنزاله فيه. ولا قدرة لي على تقديمه أو تأخيره. ثم قال: * (إن الحكم إلا لله) * وهذا مطلق يتناول الكل. والمراد ههنا إن الحكم إلا لله فقط في تأخير عذابهم * (يقضي الحق) * أي القضاء الحق في كل ما يقضي من التأخير والتعجيل * (وهو خير الفاصلين) * أي القاضين، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: احتج أصحابنا بقوله: * (إن الحكم إلا لله) * على أنه لا يقدر العبد على أمر من الأمور إلا إذا قضى الله به، فيمتنع منه فعل الكفر إلا إذا قضى الله به وحكم به. وكذلك في جميع الأفعال. والدليل عليه أنه تعالى قال: * (إن الحكم إلا لله) * وهذا يفيد الحصر، بمعنى أنه لا حكم إلا لله. واحتج المعتزلة بقوله: * (يقضي الحق) * ومعناه أن كل ما قضى به فهو الحق. وهذا يقتضي أن لا يريد الكفر من الكافر. ولا المعصية من العاصي لأن ذلك ليس الحق. والله أعلم.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير ونافع وعاصم * (يقص الحق) * بالصاد من القصص، يعني أن كل ما أنبأ الله به وأمر به فهو من أقاصيص الحق، كقوله: * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * (يوسف: 3) وقرأ الباقون * (يقض الحق) * والمكتوب في المصاحف " يقض " بغير ياء لأنها سقطت في اللفظ لالتقاء الساكنين كما كتبوا * (سندع الزبانية) * (العلق: 18) فما تغن النذر) * وقوله: * (يقضى الحق) * قال الزجاج: فيه وجهان: جائز أن يكون * (الحق) * صفة المصدر والتقدير: يقض القضاء الحق. ويجوز أن يكون * (يقض الحق) * يصنع الحق، لأن كل شيء صنعه الله فهو حق. وعلى هذا التقدير * (الحق) * يكون مفعولا به وقضى