كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن يقال في كل واحدة من آيات السورة أن سبب نزولها هو الأمر الفلاني بعينه؟
المسألة الثانية: قوله: * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) * مشتمل على أسرار عالية، وذلك لأن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله تعالى، وآيات صفات جلاله وإكرامه وكبريائه، وآيات وحدانيته، وما سوى الله فلا نهاية له، وما لا نهاية له فلا سبيل للعقل في الوقوف عليه على التفصيل التام، إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ويتوسل بمعرفتها إلى معرفة الله تعالى ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ثم إنه يكون مدة حياته كالسائح في تلك القفار، وكالسابح في تلك البحار. ولما كان لا نهاية لها فكذلك لا نهاية لترقي العبد في معارج تلك الآيات، وهذا مشرع جملي لا نهاية لتفاصيله. ثم إن العبد إذا صار موصوفا بهذه الصفة فعند هذا أمر الله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم * (سلام عليكم) * فيكون هذا التسليم بشارة لحصول السلامة. وقوله: * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * بشارة لحصول الرحمة عقيب تلك السلامة. أما السلامة فالنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانيات ومعدن الآفات والمخالفات وموضع التغييرات والتبديلات، وأما الكرامات فبالوصول إلى الباقيات الصالحات والمجردات المقدسات، والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال.
المسألة الثالثة: ذكر الزجاج عن المبرد. أن السلامة في اللغة أربعة أشياء، فمنها سلمت سلاما وهو معنى الدعاء، ومنها أنه اسم من أسماء الله تعالى، ومنها الإسلام، ومنها اسم للشجر العظيم، أحسبه سمي بذلك لسلامته من الآفات، وهو أيضا اسم للحجارة الصلبة، وذلك أيضا لسلامتها من الرخاوة. ثم قال الزجاج: قوله: * (سلام عليكم) * السلام ههنا يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون مصدر سلمت تسليما وسلاما مثل السراح من التسريح، ومعنى سلمت عليه سلاما، دعوت له بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه. فالسلام بمعنى التسليم، والثاني: أن يكون السلام جمع السلامة، فمعنى قولك السلام عليكم، السلامة عليكم. وقال أبو بكر بن الأنباري: قال قوم السلام هو الله تعالى فمعنى السلام عليكم يعني الله عليكم أي على حفظكم وهذا بعيد في هذه الآية لتنكير السلام في قوله * (فقل سلام عليكم) * ولو كان معرفا لصح هذا الوجه. وأقول كتبت فصولا مشبعة كاملة في قولنا سلام عليكم وكتبتها في سورة التوبة، وهي أجنبية عن هذا الموضع فإذا نقلته إلى هذا الموضع كمل البحث والله أعلم.
أما قوله * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * ففيه مسائل: