لأنه لما ثبت أنه تعالى مبدأ لكل ما سواه وجب كونه مبدأ لهذه الجزئيات بالأثر. فوجب كونه تعالى عالما بهذه التغيرات والزمانيات من حيث أنها متغيرة وزمانية وذلك هو المطلوب.
(المسألة الثالثة) قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) يدل على كونه تعالى منزها عن الضد والند وتقريره: أن قوله (وعنده مفاتح الغيب) يفيد الحصر، أي عنده لا عند غيره. ولو حصل موجود آخر واجب الوجود لكان مفاتح الغيب حاصلة أيضا عند ذلك الآخر، وحينئذ يبطل الحص، وأيضا فكما أن لفظ الآية يدل على هذا التوحيد، فكذلك البرهان العقلي يساعد عليه. وتقريره: أن المبدأ الحصول العلم بالآثار والنتائج والصنائع هو العلم به سبحانه لكن العلم به ليس إلا له لان ما سواه أثر والعلم بالأثر لا يفيد العلم بالمؤثر. فظهر بهذا البرهان أن مفاتح الغيب ليست إلا عند الحق سبحانه. والله العلم.
(المسألة الرابعة) قرىء (ولا حبة ولا رطب ولا يابس) بالرفع وفيه وجهان: الأول: أن يكون عطفا على محل من ورقة وأن يكون رفعا على الابتداء وخبره (إلا في كتاب مبين) كقولك:
لا رجل منهم ولا امرأة إلا في الدار.
(المسألة الخامسة) قوله (إلا في كتاب مبين) فيه قولان: الأول: أن ذلك الكتاب المبين هو علم الله تعالى لا غير. وهذا هو الصواب. والثاني: قال الزجاج: يجوز أن يكون الله جل ثناؤه أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق كما قال عز وجل (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) وفائدة هذا الكتاب أمور: أحدها: أنه تعالى انما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ لتقف الملائكة على نفاد علم الله تعالى في المعلومات وأنه لا يغيب عنه مما في السماوات والأرض شئ فيكون في ذلك عبرة تامة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ لانهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم فيجدونه موافقا له، وثانيها: يجوز أن يقال إنه تعالى ما ذكر ما ذكر من الورقة والحبة تنبيها للمكلفين على أمر الحساب واعلاما بأنه لا يفوته من كل ما يصنعون في الدنيا شئ: لأنه إذا كان لا يهمل الأحوال التي ليس فيها ثواب ولا عقاب ولا تكليف فبأن لا يهمل الأحوال المشتملة على الثواب والعقاب أولى. ثالثها: أنه تعالى علم أحوال جميع الموجودات فيمتنع تغييرها عن مقتضى ذلك العلم، وإلا لزم الجهل. فإذا كتب أحوال جميع الموجودات في ذلك الكتاب على التفصيل التام امتنع أيضا تغييرها وإلا لزم الكذب فتصير كتبة جملة الأحوال في ذلك الكتاب موجبا تاما وسببا كاملا في أنه يمتنع تقدم ما تأخر وتأخر