فقالت: يا مريم أشعرت أني حبلى؟ فقالت مريم: وأنا أيضا حبلى، قالت امرأة زكريا فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله * (مصدقا بكلمة من الله) * وقال ابن عباس: إن يحيى كان أكبر سنا من عيسى بستة أشهر، وكان يحيى أول من آمن وصدق بأنه كلمة الله وروحه، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى عليهما السلام، فإن قيل: لم سمي عيسى كلمة في هذه الآية، وفي قوله * (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته) * (النساء: 171) قلنا: فيه وجوه الأول: أنه خلق بكلمة الله، وهو قوله * (كن) * من غير واسطة الأب، فلما كان تكوينه بمحض قول الله * (كن) * وبمحض تكوينه وتخليقه من غير واسطة الأب والبذر، لا جرم سمى: كلمة، كما يسمى المخلوق خلقا، والمقدور قدرة، والمرجو رجاء، والمشتهي شهوة، وهذا باب مشهور في اللغة والثاني: أنه تكلم في الطفولية، وآتاه الله الكتاب في زمان الطفولية، فكان في كونه متكلما بالغا مبلغا عظيما، فسمي كلمة بهذا التأويل وهو مثل ما يقال: فلان جود وإقبال إذا كان كاملا فيهما والثالث: أن الكلمة كما أنها تفيد المعاني والحقائق، كذلك عيسى كان يرشد إلى الحقائق والأسرار الإلهية، فسمى: كلمة، بهذا التأويل، وهو مثل تسميته روحا من حيث إن الله تعالى أحيا به من الضلالة كما يحيا الإنسان بالروح، وقد سمى الله القرآن روحا فقال: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * (الشورى: 52) والرابع: أنه قد وردت البشارة به في كتب الأنبياء الذين كانوا قبله، فلما جاء قيل: هذا هو تلك الكلمة، فسمى كلمة بهذا التأويل قالوا: ووجه المجاز فيه أن من أخبر عن حدوث أمر فإذا حدث ذلك الأمر قال: قد جاء قولي وجاء كلامي، أي ما كنت أقول وأتكلم به، ونظيره قوله تعالى: * (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار) * (غافر: 6) وقال: * (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) * (الزمر: 71) الخامس: أن الإنسان قد يسمى بفضل الله ولطف الله، فكذا عيسى عليه السلام كان اسمه العلم: كلمة الله، وروح الله، واعلم أن كلمة الله هي كلامه، وكلامه على قول أهل السنة صفة قديمة قائمة بذاته، وعلى قول المعتزلة أصوات يخلقها الله تعالى في جسم مخصوص دالة بالوضع على معان مخصوصة، والعلم الضروري حاصل بأن الصفة القديمة أو الأصوات التي هي أعراض غير باقية يستحيل أن يقال: أنها هي ذات عيسى عليه السلام، ولما كان ذلك باطلا في بداهة العقول لم يبق إلا التأويل.
الصفة الثانية: ليحيى عليه السلام قوله * (وسيدا) * والمفسرون ذكروا فيه وجوها الأول: قال ابن عباس: السيد الحليم، وقال الجبائي: إنه كان سيدا للمؤمنين، رئيسا لهم في الدين، أعني في العلم والحلم والعبادة والورع، وقال مجاهد: الكريم على الله، وقال ابن المسيب: الفقيه العالم، وقال عكرمة الذي لا يغلبه الغضب، قال القاضي: السيد هو المتقدم المرجوع إليه، فلما كان سيدا في